الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1643 312 - حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس، عن معاوية رضي الله عنهم، قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفيه الإشارة إلى جواز التقصير وإن كان الحلق أفضل، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، والحسن بن مسلم بن يناق، مات قبل طاوس وقبل أبيه مسلم، والرواة كلهم مكيون سوى أبي عاصم شيخه، فإنه بصري، ومعاوية هو ابن أبي سفيان، وفيه رواية صحابي عن صحابي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن ابن جريج عن الحسن" وفي رواية مسلم عن جريج قال: حدثني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن معاوية ابن أبي سفيان أخبره قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة، أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة. وفي لفظ له قال ابن عباس: قال لي معاوية: أعلمت أني قد قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص، فقلت له: لا أعلم هذه إلا حجة عليك. وقال النووي: وهذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى، وفرق أبو طلحة شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة؛ لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور لا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا؛ لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر الهدي، وفي رواية: حتى أحل من الحج. انتهى.

                                                                                                                                                                                  قيل: لعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): قد وقع في رواية أحمد من [ ص: 67 ] طريق قيس بن سعد، عن عطاء أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم .

                                                                                                                                                                                  (قلت): قالوا: إنها رواية شاذة وقد قال قيس بن سعد عقيبها: والناس ينكرون ذلك، وقيل: يحتمل أن يكون في قول معاوية: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص حذف تقديره: قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): يرد هذا ما في رواية أحمد: قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة، أخرجه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس. وقال ابن حزم: يحتمل أن يكون معاوية قصر رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر، ورد عليه بأن الحالق لم يبق شعرا يقصر، ولا سيما وقد قسم صلى الله عليه وسلم شعره بين الصحابة الشعرة والشعرتين، وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعيا واحدا في أول ما قدم، فماذا كان يصنع عند المروة. قوله: " بمشقص" ، بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف وفي آخره صاد مهملة، قال أبو عبيد: هو النصل الطويل وليس بالعريض. وقال ابن فارس وغيره: هو سهم فيه نصل عريض. وقال الجوهري: المشقص هو كل نصل طال وعرض، وقال أبو عمر: وهو الطويل غير العريض.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية