الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6298 6299 6300 [ ص: 60 ] ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي ، قال: ثنا عبد الله بن جعفر ، عن أبيه، عن إسماعيل بن محمد ، عن عامر بن سعد: " أن سعدا ركب إلى قصره بالعتيق، فوجد غلاما يقطع شجرا -أو يخبطه أظن فيه- فأخذ سلبه، ، فلما رجع أتاه أهل الغلام فكلموه أن يرد عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبى أن يرده إليهم".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن أبي عبد الله ، قال: " شهدت سعد بن أبي وقاص ، وأتاه قوم في عبد لهم أخذ سعد سلبه ، رآه يصيد في حرم المدينة ، الذي حرم رسول الله -عليه السلام- فأخذ سلبه فكلموه، فأبى أن يرد عليه سلبه، فأبى وقال: إن رسول الله -عليه السلام- لما حد حدود حرم المدينة قال: من وجدتموه يصيد في شيء من هذه الحدود فمن وجده فله سلبه، ، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله -عليه السلام-، ولكن إن شئتم غرمت لكم ثمن سلبه؛ ، فعلت". .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا يعقوب بن حميد ، قال: ثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن حكيم ، قال: أخبرني عامر بن سعد ، عن أبيه: " ، أن رسول الله -عليه السلام- حرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها". .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق:

                                                الأول: إسناده صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي البصري ، عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن القرشي المدني روى له الجماعة، البخاري مستشهدا، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص المدني روى له الجماعة إلا أبا داود ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص المدني روى له الجماعة، عن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، جميعا عن العقدي - [ ص: 61 ] قال عبد: أنا عبد الملك بن عمرو- قال: نا عبد الله بن جعفر ، عن إسماعيل بن محمد ، عن عامر بن سعد، أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا -أو يخبطه- فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم -أو عليهم- ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى أن يرد عليهم".

                                                الثاني: رجاله ثقات أيضا، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم الثقفي المكي نزيل البصرة ، عن سليمان بن أبي عبد الله ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا أبو سلمة موسى قال: ثنا جرير -يعني ابن حازم- قال: حدثني يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن أبي عبد الله قال: "رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله -عليه السلام-، فسلبه ثيابه، فجاءوا -يعني مواليه- فكلموه فيه، فقال: إن رسول الله -عليه السلام- حرم هذا الحرم، وقال: من [وجد] أحدا يصيد فيه فليسلبه. فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله -عليه السلام-، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه".

                                                الثالث: عن أحمد بن داود المكي ، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني شيخ ابن ماجه، فيه مقال، عن مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي الثقة ، عن عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري الثقة ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الله بن نمير (ح).

                                                [ ص: 62 ] وحدثنا ابن نمير، قال: نا أبي، قال: نا عثمان بن حكيم، قال: حدثني عامر بن سعد ، عن أبيه قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة، أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها. . ." الحديث.

                                                قوله: "بالعقيق" هو واد من أودية المدينة مسيل للماء، وهو الذي ورد ذكره في الحديث "أنه واد مبارك" وقد استقصينا بيانه في كتاب الحج.

                                                قوله: "أو يخبطه" من الخبط، وهو ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، والاسم منه للورق الساقط: خبط -بالتحريك- فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل.

                                                قوله: "سلبه" بتحريك اللام، وهو ما عليه من قماشه.

                                                قوله: "نفلنيه" من التنفيل، وأصله من النفل، وهو الغنيمة.

                                                قوله: "ما بين لابتي المدينة" اللابة: الأرض ذات الحجارة السود، وجمعها: لابات في القليل، ولاب ولوب في الكثير، مثل: قارة وقور، وساحة وسوح، وباحة وبوح.

                                                وقال الهروي: أي ما بين طرفي المدينة، وقال ابن حبيب: اللابتان الحرتان الشرقية والغربية، وللمدينة حرتان؛ حرة في القبلة، وحرة في الجنوب، وترجع كلها إلى الحرتين: الغربية والشرقية؛ لاتصالهما بهما، ولذلك حرم رسول الله -عليه السلام- ما بين لابتيها، جميع دورها كلها في اللابتين، وقد ردها كلها حسان لابة واحدة؛ لاتصالها، فقال:


                                                لنا حرة مأطورة بجبالها ... بنى العز فيها بيته فتماثلا



                                                ومعنى مأطورة: معطوفة بجبالها لاستدارتها.

                                                قوله: "عضاهها" العضاه -مقصور- كل شجر له شوك، واحده: عضاهة وعضهة وعضة، كالطلح والعوسج، وقال ابن الأثير: العضاه شجر أم غيلان، وكل شجر عظيم له شوك، الواحدة: عضة -بالتاء- وأصلها عضهة، وقيل: واحدتها عضاهة وعضهت العضاه إذا قطعتها.

                                                [ ص: 63 ] وقال ابن حبيب: وتحريم النبي -عليه السلام- لابتي المدينة إنما ذلك في الصيد خاصة، وأما في قطع الشجر فيه فبريد في بريد في دور المدينة كلها، بذلك أخبرني مطرف ، عن مالك، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب، وقد ذكر مسلم في بعض طرقه: "إني أحرم ما بين جبليها"، وفي حديث أبي هريرة: "وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى".

                                                قال عياض: وهذا تفسير لما ذكره ابن وهب، ورواه مطرف ، عن مالك وعمر بن عبد العزيز .

                                                وقال المهلب: قطع النبي -عليه السلام- النخل فيها حين بنى المسجد، يدل أن النهي لا يتوجه لقطع شجرها للعمارة ووجه الإصلاح، وأن يتخذ شجرها وشوكها ليتخذ موضعه قبابا وعمارة وأن توجيه النهي إنما هو القطع للفساد لبهجة المدينة وخضرتها من غير الوارد عليها والمهاجر لها.

                                                وقال القاضي: وقد ذكر ابن نافع عن مالك نحو هذا؛ قال: إنما نهى عنه لئلا تتوحش ويبقى فيها شجرها ليستأنس به، ويستظل به من هاجر إليها.

                                                وحكى الخطابي وغيره: أن قطع الشوك غير ممنوع، لما فيه من الضرر، وقد ذكر مسلم في حديث زهير: "ولا يختلى شوكها" وقيل: بل قطعه -عليه السلام- للنخل إنما هو قطع لما غرسه الآدمي، فالنهي إنما يتوجه إلى ما أنبته الله تعالى ما لا صنع فيه لآدمي.




                                                الخدمات العلمية