الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وتطال أولى الفجر على ثانيتها ) [ ص: 542 ] بقدر الثلث ، وقيل النصف ندبا ; فلو فحش لا بأس به ( فقط ) وقال محمد : ولي الكل حتى التراويح ; قيل وعليه الفتوى ( وإطالة الثانية على الأولى يكره ) تنزيها ( إجماعا إن بثلاث آيات ) إن تقاربت طولا وقصرا ، وإلا اعتبر الحروف والكلمات . [ ص: 543 ]

واعتبر الحلبي فحش الطول لا عدد الآيات ، واستثنى في البحر ما وردت به السنة واستظهر في النفل عدم الكراهة مطلقا ( وإن بأقل لا ) يكره ، { لأنه عليه الصلاة والسلام [ ص: 544 ] صلى بالمعوذتين }

التالي السابق


( قوله وتطال إلخ ) أي يطيلها الإمام وهي مسنونة [ ص: 542 ] إجماعا إعانة على إدراك الركعة الأولى لأن وقت الفجر وقت نوم وغفلة ، وقد علم من التقييد بالإمام ومن التعليل أن المنفرد يسوي بين الركعتين في الجميع اتفاقا شرح المنية .

أقول : وبما مر من أن الإطالة المذكورة مسنونة إجماعا ، ومثله في التتارخانية علم أن ما في شرح الملتقى للبهنسي من أنها واجبة إجماعا غريب أو سبق قلم . وقال تلميذه الباقاني في شرح الملتقى : لم أجده في الكتب المشهورة في المذهب ( قوله بقدر الثلث ) بأن تكون زيادة ما في الأولى على ما في الثانية بقدر ثلث مجموع ما في الركعتين كما في الكافي حيث قال الثلثان في الأولى والثلث في الثانية ، ومثله في الحلية والبحر والدرر ( قوله وقيل النصف ) كذا في الحلية معزيا إلى المحبوبي ; وحكاه في البحر عن الخلاصة ، لكن عبارة الخلاصة لا تفيده لأن عبارتها هكذا وحد الإطالة في الفجر أن يقرأ في الركعة الثانية من عشرين إلى ثلاثين وفي الأولى من ثلاثين إلى ستين . ا هـ .

وأرجع المحشي القول بالنصف إلى القول الأول ، لأن المراد نصف المقروء في الأولى وهو ثلث المجموع ، فلا وجه لعده مقابلا له ، وأطال في ذلك فراجعه ، لكن قد يقال إن مراد الخلاصة التخيير بين جعل الزيادة بقدر نصف ما في الأولى أو نصف ما في الثانية ، فإنه إذا قرأ في الأولى ثلاثين وفي الثانية عشرين فالزيادة بقدر نصف ما في الثانية . ولو قرأ في الأولى ستين وفي الثانية ثلاثين فالزيادة بقدر نصف ما في الأولى ، وبهذا يغاير القول الأول فتأمل ( قوله ندبا ) راجع للقولين يعني أن هذا التقدير في كل بيان للأولى ، فإن لم يراعه فهو خلاف الأولى وهو معنى قوله لا بأس به ح ( قوله فلو فحش ) بأن قرأ في الأولى بأربعين وفي الثانية بثلاث آيات لا بأس به ، وبه ورد الأثر كذا في الذخيرة وغيرها ( قوله فقط ) لما احتمل أن يكون الفجر مجرد مثال لا للتقييد أردفه بقوله كما في النهر ( قوله حتى التراويح ) عزاه في الخزائن إلى الخانية . وظاهر هذا أن الجمعة والعيدين على الخلاف كما في جامع المحبوبي ، لكن في نظم الزندويستي الاتفاق على تسوية القراءة فيهما ، وأيده في الحلية بالأحاديث الواردة المقتضية لعدم إطالة الأولى على ; الثانية فيهما ( قوله قيل وعليه الفتوى ) قائله في معراج الدراية ، ومثله في المجتبى . وفي التتارخانية عن الحجة : وهو المأخوذ للفتوى .

وفي الخلاصة إنه أحب ، وجنح إليه في فتح القدير لما رواه البخاري من { أنه عليه الصلاة والسلام كان يطول في الركعة الأولى : أي من الظهر ما لا يطول في الثانية وهكذا في العصر ، وهكذا في الصبح } " ونازعه في شرح المنية بأنه محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ ، وبما دون ثلاث آيات ، ضرورة التوفيق بينه وبين ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري حيث قال : فحزر قيامه في الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية فإنه أفاد التسوية بين الركعتين ا هـ . وقال في الحلية بعد أن حقق دليلهما : فيظهر على هذا أن قولهما أحب لا قوله ، وأن الأولى كون الفتوى عامة قولهما لا قوله ، وأقره في البحر والشرنبلالية ، واعتمد قولهما في الكنز والملتقى والمختار والهداية فلذا اعتمده المصنف أيضا ( قوله إن تقاربت إلخ ) ذكر هذا في الكافي في المسألة التي قبل هذه ، واعتبره في شرح المنية في هذه المسألة أيضا كما يأتي في عبارته .

[ ص: 543 ] والحاصل أن سنية إطالة الأولى على الثانية وكراهية العكس إنما تعتبر من حيث عدد الآيات إن تقاربت الآيات طولا وقصرا فإن تفاوتت تعتبر من حيث الكلمات ، فإذا قرأ في الأولى من الفجر عشرين آية طويلة وفي الثانية منها عشرين أية قصيرة تبلغ كلماتها قدر نصف كلمات الأولى فقد حصل السنة ، ولو عكس يكره ، وإنما ذكر الحروف للإشارة إلى أن المعتبر مقابلة كل كلمة بمثلها في عدد الحروف ، فالمعتبر عدد الحروف لا الكلمات فلو اقتصر الشارح على الحروف أو عطفها على الكلمات كما فعل في الكافي لكان أولى ( قوله واعتبر الحلبي فحش الطول إلخ ) كما لو قرأ في الأولى والعصر وفي الثانية الهمزة فرمز في القنية أولا أنه لا يكره ثم رمز ثانيا أنه يكره وقال لأن الأولى ثلاث آيات والثانية تسع ، وتكره الزيادة الكثيرة . وأما ما روي " { أنه عليه الصلاة والسلام قرأ في الأولى من الجمعة ب { سبح اسم ربك الأعلى } وفي الثانية { هل أتاك حديث الغاشية } } " فزاد على الأولى بسبع لكن السبع في السور الطوال يسير دون القصار لأن الست هنا ضعف الأصل والسبع ثمة أقل من نصفه ا هـ أي أن الست الزائدة في الهمزة ضعف سورة العصر بخلاف السبع الزائدة في الغاشية فإنها أقل من نصف سورة الأعلى فكانت يسيرة . قال الحلبي في شرح المنية : وعلم من كلام القنية أن ثلاث آيات إنما تكره في السور القصار لظهور الطول فيها بذلك ظهورا بينا وهو حسن إلا أنه ربما يتوهم منه أنه متى كانت الزيادة بما دون النصف لا تكره وليس كذلك بل الذي ينبغي أن الزيادة إذا كانت ظاهرة ظهورا تاما تكره وإلا فلا للزوم الحرج في التحرز عن الخفية ولورود مثل هذا في الحديث . ولا تغفل عما تقدم من أن التقدير بالآيات إنما يعتبر عند تقاربها ، وأما عند تفاوتها فالمعتبر التقدير بالكلمات أو الحروف عما إلا فألم نشرح ثماني آيات - و - لم يكن - ثماني آيات ولا شك أنه لو قرأ الأولى في الأولى والثانية في الثانية أنه يكره لما قلنا من ظهور الزيادة والطول وإن لم يكن من حيث الآي لكنه من حيث الكلم والحروف وقس على هذا ا هـ كلام شرح المنية للحلبي .

والذي تحصل من مجموع كلامه وكلام القنية أن إطلاق كراهة إطالة الثانية بثلاث آيات مقيد بالسور القصيرة المتقاربة الآيات لظهور الإطالة حينئذ فيها أما السور الطويلة أو القصيرة المتفاوتة فلا يعتبر العدد فيهما بل يعتبر ظهور الإطالة من حيث الكلمات وإن اتحدت آيات السورتين عددا هذا ما فهمته ، والله تعالى أعلم ( قوله واستثنى في البحر ما وردت به السنة ) أي كقراءته عليه الصلاة والسلام في الجمعة والعيدين في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالغاشية فإنه ثبت في الصحيحين مع أن الأولى تسع عشرة آية والثانية ستة وعشرون . وعلى ما مر عن شرح المنية لا حاجة إلى الاستثناء لأن هاتين السورتين طويلتان ، ولا تفاوت ظاهر بينهما من حيث الكلمات والحروف ، بل هما متقاربتان ( قوله مطلقا ) أي وردت به السنة أولا بقرينة ما قبله ، ولأن عبارة البحر هكذا : وقيد بالفرض لأنه يسوى في السنن والنوافل ركعاتها في القراءة إلا فيما وردت به السنة أو الأثر ، كذا في منية المصلي . وصرح في المحيط بكراهة تطويل ركعة من التطوع ونقص أخرى ، وأطلق في جامع المحبوبي عدم كراهة إطالة الأولى على الثانية في السنن والنوافل لأن أمرها سهل ، واختاره أبو اليسر .

ومشى عليه في خزانة الفتاوى فكان الظاهر عدم الكراهة ا هـ . فقول البحر : وأطلق في جامع المحبوبي إلخ واستظهار له قرينة واضحة على أنه أراد خلاف ما في المنية من التقييد بما وردت به السنة نعم كلامه في إطالة الأولى على الثانية دون العكس ، فكان على الشارح ذكر ذلك عند قوله وتطال أولى الفجر . قال في شرح المنية : والأصح كراهة إطالة الثانية [ ص: 544 ] على الأولى في النفل أيضا إلحاقا له بالفرض فيما لم يرد به تخصيص من التوسعة كجوازه قاعدا بلا عذر ونحوه . وأما إطالة الثالثة على الثانية والأولى فلا تكره ، لما أنه شفع آخر . ا هـ . ( قوله صلى بالمعوذتين ) يعني في صلاة الفجر والسورة الثانية أطول من الأولى بآية . وفي الاحتراز عن هذا التفاوت حرج ، وهو مدفوع شرعا فتجعل زيادة ما دون ثلاث آيات أو نقصانه كالعدم فلا يكره ح عن الحلية




الخدمات العلمية