الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الجنس الثاني

[ متى يعجز المكاتب فيرق ؟ ]

وأما متى يرق ؟ فإنهم اتفقوا على أنه إنما يرق إذا عجز إما عن البعض وإما عن الكل بحسب ما قدمنا اختلافهم .

واختلفوا هل للعبد أن يعجز نفسه إذا شاء من غير سبب ، أم ليس له ذلك إلا بسبب ؟ فقال الشافعي : الكتابة عقد لازم في حق العبد وهي في حق السيد غير لازمة ، وقال مالك وأبو حنيفة : الكتابة عقد لازم من الطرفين ( أي : بين العبد والسيد ) .

وتحصيل مذهب مالك في ذلك أن العبد والسيد لا يخلو أن يتفقا على التعجيز أو يختلفا ، ثم إذا اختلفا فإما أن يريد السيد التعجيز ويأباه العبد ، أو بالعكس ( أعني : أن يريد به السيد البقاء على الكتابة ، ويريد العبد التعجيز ) .

فأما إذا اتفقا على التعجيز فلا يخلو الأمر من قسمين : أحدهما أن يكون دخل في الكتابة ولد أو لا يكون ، فإن كان دخل ولد في الكتابة فلا خلاف عنده أنه لا يجوز التعجيز . وإن لم يكن له ولد ففي ذلك روايتان : إحداهما : أنه لا يجوز إذا كان له مال ، وبه قال أبو حنيفة ، والأخرى أنه يجوز له ذلك .

فأما إن طلب العبد التعجيز وأبى السيد لم يكن ذلك للعبد إن كان معه مال أو كانت له قوة على السعي .

وأما إن أراد السيد التعجيز وأباه العبد ; فإنه لا يعجزه عنده إلا بحكم حاكم ، وذلك بعد أن يثبت السيد عند الحاكم أنه لا مال له ولا قدرة على الأداء .

[ ص: 705 ] ونرجع إلى عمدة أدلتهم في أصل الخلاف في المسألة ، فعمدة الشافعي ما روي أن بريرة جاءت إلى عائشة تقول لها : " إني أريد أن تشتريني تعتقيني فقالت لها : إن أراد أهلك ، فجاءت أهلها فباعوها وهي مكاتبة " خرجه البخاري .

وعمدة المالكية تشبيههم الكتابة بالعقود اللازمة ; ولأن حكم العبد في هذا المعنى يجب أن يكون كحكم السيد وذلك أن العقود من شأنها أن يكون اللزوم فيها أو الخيار مستويا في الطرفين ، وأما أن يكون لازما من طرف وغير لازم من الطرف الثاني فخارج عن الأصول ، وعللوا حديث بريرة بأن الذي باع أهلها كانت كتابتها لا رقبتها .

والحنفية تقول : لما كان المغلب في الكتابة حق العبد ، وجب أن يكون العقد لازما في حق الآخر المغلب عليه وهو السيد أصله النكاح ; لأنه غير لازم في حق الزوج لمكان الطلاق الذي بيده وهو لازم في حق الزوجة ، والمالكية تعترض هذا بأن تقول إنه عقد لازم فيما وقع به العوض ، إذ كان ليس له أن يسترجع الصداق .

التالي السابق


الخدمات العلمية