الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وهو ) أي الإحداد من أحد ، ويقال فيه الحداد من حد لغة : المنع .

                                                                                                                            واصطلاحا ( ترك لبس مصبوغ ) بما يقصد ( لزينة وإن خشن ) للنهي الصحيح عنه كالاكتحال والتطيب والاختضاب والتحلي ، وذكر المعصفر والمصبوغ بالمغرة بفتح أوله في رواية من باب ذكر بعض أفراد العام على أنه لبيان أن الصبغ لا بد أن يكون لزينة ( وقيل يحل ) لبس ( ما صبغ غزله ثم نسج ) للإذن في ثوب العصب في رواية وهو بفتح فسكون بالمهملتين نوع من البرود يصبغ غزله ثم ينسج .

                                                                                                                            وأجيب بأنه نهى عنه في رواية [ ص: 150 ] أخرى فتعارضتا ، والمعنى يرجح عدم الفرق بل هذا أبلغ في الزينة لأنه لا يصبغ أولا إلا رفيع الثياب ( ويباح غير مصبوغ ) لم يحدث فيه زينة كنقش ( من قطن وصوف وكتان ) على اختلاف ألوانها الخلقية وإن نعمت ( وكذا إبريسم ) لم يصبغ ولم يحدث فيه ذلك أي حرير ( في الأصح ) لعدم حدوث زينة فيه وإن صقل وبرق .

                                                                                                                            ويوجه بأن الغالب فيه أنه لا يقصد لزينة النساء ، وبذلك يرد ما أطال به الأذرعي وغيره من أن كثيرا من نحو الأحمر والأصفر الخلقي يربو لصفاء ثقله وشدة بريقه على كثير من المصبوغ .

                                                                                                                            والثاني يحرم لأن لبسه تزيين فعلى هذا لا تلبس العتابي الذي أكثره حرير ويباح الخز قطعا لاستتار الإبريسم فيه بالصوف الذي هو سداه ( و ) يباح ( مصبوغ لا يقصد لزينة ) أصلا بل لنحو احتمال وسخ أو مصيبة كأسود وما يقرب منه كالأخضر المشبع والكحلي وما يقرب منه كالأزرق المشبع .

                                                                                                                            ولا يرد على كلامه مصبوغ تردد بين الزينة وغيرها لأن فيه تفصيلا ، وهو أنه إن كان لونه براقا حرم ، وعبارته الأولى قد تشمله لأن الغالب فيه حينئذ أن يقصد للزينة وإلا فلا ، وعبارته هذه شاملة له لأنه لا يقصد به حينئذ زينة ( ويحرم ) طراز ركب على ثوب لا منسوج معه ما لم يكثر : أي بأن عد الثوب معه ثوب زينة فيما يظهر و ( حلي ذهب وفضة ) ولو نحو خاتم وقرط للنهي عنه ، ومنه ما موه بأحدهما إن ستر بحيث لا يعرف إلا بتأمل كما قاله الأذرعي .

                                                                                                                            ويفرق بين هذا وما مر في الأواني بأن المدار هنا على مجرد الزينة وثم على العين مع الخيلاء ، وكذا نحو نحاس وودع وعاج وذبل ودملج إن كانت من قوم يتحلون به . [ ص: 151 ] نعم يحل لبسه ليلا مع الكراهة إلا لحاجة كإحرازه ، وفارق حرمة اللبس والتطيب ليلا بأنهما يحركان الشهوة غالبا ولا كذلك الحلي ( وكذا ) يحرم ( لؤلؤ ) ونحوه من الجواهر التي يتحلى بها ومنها العقيق ( في الأصح ) لظهور الزينة فيها ، ومقابل الأصح تردد للإمام جعله المصنف وجها لأنه مباح للرجل ( و ) يحرم لغير حاجته كما يأتي ( طيب ) ابتداء واستدامة ، فإذا طرأت العدة عليه لزمها إزالته للنهي عنه ( في بدن ) نعم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أن تتبع لنحو حيض قليل قسط وأظفار نوعين من البخور ، وألحق الإسنوي بها في ذلك المحرمة وخالفه الزركشي وهو الأوجه ( وثوب وطعام و ) في ( كحل ) والضابط أن كل ما حرم على المحرم من الطيب والدهن لنحو الرأس واللحية حرم هنا لكن لا فدية لعدم النص ، وليس للقياس مدخل هنا وكل ما حل له ثم حل هنا ( و ) يحرم ( اكتحال بإثمد ) ولو غير مطيب وإن كانت سوداء للنهي عنه وهو الأسود ، ومثله نصا الأصفر وهو الصبر بفتح أو كسر فسكون ولو على بيضاء لا الأبيض كالتوتيا إذ لا زينة فيه ( إلا لحاجة كرمد ) فتجعله ليلا وتمسحه نهارا إلا إن أضرها مسحه { لأنه صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت على عينها صبرا فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ فقالت : هو صبر لا طيب فيه ، فقال : إنه يشب الوجه أي يوقده ويحسنه فلا تجعليه إلا بالليل وامسحيه بالنهار } وقد حملوه على أنها كانت محتاجة إليه ليلا فأذن لها فيه ليلا بيانا لجوازه عند الحاجة مع أن الأولى تركه .

                                                                                                                            وأما خبر مسلم { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال لا مرتين أو ثلاثا ، كل ذلك يقول لا } فحمل على أنه نهي تنزيه أو أنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف على عينها أو أنه يحصل لها البرء [ ص: 152 ] بدونه ، لكن في رواية زادها عبد الحق " قالت : إني أخشى أن تنفقئ عينها بدونه قال لا وإن انفقأت " وأجاب الشيخ عنها بأن المراد وإن انفقأت عينها في زعمك لأني أعلم أنها لا تنفقئ ، والأوجه أنها لو احتاجت له نهارا جاز فيه ، والدهن للحاجة كالاكتحال للرمد ، والأوجه ضبط الحاجة هنا بخشية مبيح تيمم ، وحيث زالت وجب مسحه أو غسله فورا كالمحرم وهو ظاهر ( و ) يحرم ( إسفيذاج ) بذال معجمة ( ودمام ) بضم الدال وكسرها وهو المسمى بالحمرة فإن الوجه يبرق ويربو بالأول ويتزين مع الثاني ، ويحرم الإثمد في الحاجب كما قاله صاحب البيان ، وألحق به الطبري كل ما يتزين به كالشفة واللثة والخدين والذقن فيحرم في جميع ذلك ( و ) يحرم ( خضاب حناء ونحوه ) لخبر { ولا تختضب بحناء } ومحل ذلك فيما يظهر من البدن كالوجه واليد والرجل ، والمراد بذلك ما يظهر عند المهنة وشعر الرأس منه وإن كان كثيرا ما يكون تحت الثياب كالرجلين ، فاندفع به ما قاله البلقيني هنا ، أما ما تحت الثياب فلا ، والغالية وإن ذهب ريحها كالخضاب ، ويحرم تصفيف شعر الطرة وتجعيد شعر الأصداغ وتطريف أصابعها ونقش وجهها .

                                                                                                                            ( ويحل تجميل فراش وأثاث ) بمثلثتين وهو متاع البيت بأن تزين بيتها بأنواع الملابس والأواني ونحوها لأن الإحداد في البدن لا في الفرش ونحوه ، وأما الغطاء فالأشبه كما قاله ابن الرفعة أنه كالثياب لأنه لباس : أي ولو ليلا كما بحثه الشيخ خلافا للزركشي ( و ) يحل لها ( تنظيف بغسل رأس وقلم ) ظفر وإزالة نحو شعر عانة ( وإزالة وسخ ) ولو ظاهرا بسدر أو نحوه لأنها ليست من الزينة : أي الداعية إلى الجماع فلا ينافي إطلاق اسمها على ذلك في صلاة الجمعة ، أما إزالة شعر يتضمن زينة كأخذ ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة فتمنع منه كما بحثه بعض المتأخرين ، بل صرح الماوردي بامتناع ذلك في حق غير المحدة ، ومر في شروط الصلاة سن إزالة شعر اللحية أو شارب نبت للمرأة ( قلت : ويحل ) لها ( امتشاط ) بلا ترجيل بدهن ، ويجوز بنحو سدر ، والنهي الوارد عن الامتشاط محمول على تمشط بطيب ونحوه ( و ) يحل لها ( حمام ) بناء على جواز دخولها له بلا ضرورة ( إن لم يكن ) فيه ( خروج محرم ) فإن كان حرم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وذكر المعصفر ) مبتدأ خبره من باب ذكر إلخ ( قوله : بعض أفراد العام ) وهو للنهي عن المصبوغ [ ص: 150 ] مطلقا المذكور بقوله للنهي إلخ ، وذكر فرد من أفراد العام بحكمه لا يخصصه ( قوله : لا يقصد لزينة النساء ) أي ولا نظر للتزين به في بعض البلاد ( قوله : فعلى هذا ) أي الثاني ( قوله : ويباح الخز ) قال في المصباح الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها والجمع خزوز مثل فلوس ( قوله : الذي هو سداه ) هو صفة للإبريسم فلا يقال الذي يظهر في رأي العين هو اللحمة لا السدى ( قوله : وعبارته الأولى ) هي قوله ويباح غير مصبوغ ( قوله : وقرط ) اسم لما يلبس في شحمة الأذن ، والمراد به هنا الحلق لا بقيد ، وينبغي أن محل حرمة ذلك ما لم تتضرر بتركه ، فإن تضررت ضررا لا يحتمل عادة جاز لها اللبس ، وقياس ما يأتي في الكحل أنه لا بد في الضرر من إباحته للتيمم ( قوله : أو مشبهه ) أي بأن حصل له شدة صقالة مثلا بأن صار يظن فضة أو ذهبا ( قوله : وذبل ) عبارة المختار الذبل بفتح الذال المعجمة شيء كالعاج وهو ظهر السلحفاة يتخذ منه السوار ا هـ .

                                                                                                                            ذكره في فصل الذال المعجمة . وفي المصباح : الذبل وزان فلس شيء كالعاج ، وقيل هو ظهر السلحفاة البحرية ( قوله : ودملج ) بضم الدال [ ص: 151 ] واللام وبفتح اللام أيضا كما في القاموس فإنه قال دملج كجندب في لغتيه ( قوله : نعم يحل لبسه ليلا ) ينبغي أن يستثنى من الليل ما لو عرض لها اجتماع فيه بالنساء لوليمة أو نحوها فيحرم ( قوله إلا لحاجة ) أي فلا يكره ( قوله : وطيب ) أي بأن تستعمله ، وخرج بذلك ما لو كان حرفتها عمل الطيب فلا حرمة عليها ( قوله : لزمها إزالته ) للنهي عنه ، ويفرق بينها وبين نظيره في المحرم بأنه ثم من سنن الإحرام ولا كذلك هنا ، وبأنه يشدد عليها هنا أكثر بدليل حرمة نحو الحناء والمعصفر عليها هنا لا ثم ( قوله قسط ) بكسر القاف وضمها وهو الأكثر ا هـ مصباح وهو الأوجه أي فليس للمحرمة أن تتبع حيضها شيئا منهما خلافا لحج ( قوله : واكتحال ) هل يشمل العمياء الباقية الحدقة ولا يبعد الشمول لأنه مزين في العين المفتوحة وإن فقد بصرها ا هـ سم على حج ( قوله : أو كسر فسكون ) وبفتح فكسر ا هـ حج واقتصر عليه المحلي ( قوله : إلا إن أضرها مسحه ) الأولى أضر بها إلخ لما قدمه في الطريق النافذ من أنه إنما يتعدى بحرف الجر ( قوله : فقال ما هذا يا أم سلمة ) تمسك بهذا الحديث ونحوه من قال بجواز نظر الوجه من الأجنبية حيث لا شهوة ولا خوف فتنة .

                                                                                                                            وأجيب بجواز أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد الرؤية بل وقعت اتفاقا أو أنه صلى الله عليه وسلم لا يقاس عليه غيره لعصمته فيكون ذلك من خصائصه ( قوله يشب ) بابه رد ا هـ مختار ( قوله وقد حملوه ) قال حج : واعترض بأن في سنده مجهولا [ ص: 152 ] قوله : جاز فيه ) لعله لم يحمل المتن على ما يشمله ابتداء نظرا لكلام الأصحاب فإنهم قيدوه بالليل ( قوله : والأوجه ضبط الحاجة هنا إلخ ) ومعلوم أن المعول عليه في ذلك إخبار طبيب عدل ( قوله : والغالية ) هي عنبر ومسك وكافور ( قوله : كالثياب ) أي فيحرم ( قوله : بل صرح الماوردي إلخ ) معتمد ( قوله في حق غير المحدة ) أي إلا بإذن الزوج ( قوله ونحوه ) أي مما يتزين به لا كزيت وسمن ( قوله بناء على جواز دخولها ) معتمد ( قوله : خروج محرم ) أي بأن كان لغير ضرورة ، فإن كان لضرورة جاز



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : بما يقصد ) إنما قدر هذا في المتن لأنه يوهم أنه إنما يمتنع عليها لبس المصبوغ بقصد الزينة لا ما صبغ لا بقصد الزينة ، وإن كان الصبغ في نفسه زينة ، فأشار بهذا التقدير إلى امتناع جميع ما من شأنه أن يقصد للزينة ، وإن لم يقصد بصبغ خصوصه زينة ، وهذا التقدير مأخوذ من كلام المصنف فيما يأتي قريبا ( قوله : كالاكتحال إلخ . ) أي كما نهى عن الاكتحال إلخ . وليس المراد أن ما هنا مقيس على الاكتحال وما بعده ، ، وإنما ذكر هذا هنا مع أن محله ما سيأتي عند ذكر الاكتحال وما بعده ، لأن النهي عن ذلك في نفس الحديث المشتمل على النهي عما هنا ( قوله : وذكر المعصفر والمصبوغ بالمغرة ) أي الاقتصار عليهما ( قوله : على أنه لبيان أن الصبغ لا بد أن يكون لزينة ) يعني : أنه أشير بذكر هذين في الحديث إلى أن الصبغ الممتنع [ ص: 150 ] إنما هو المقصود للزينة لا كل صبغ من باب بيان الشيء بذكر بعض أفراده ( قوله : ويباح الخز قطعا ) لا خفاء أن عبارة الشارح صريحة في أن المراد بالخز هنا نفس الثوب الذي سداه صوف ولحمته إبريسم إذا كان الإبريسم مستترا بالصوف ، فما نقله الشيخ في حاشيته عن المختار من أن الخز اسم لحيوان ثم أطلق على وبره إنما هو باعتبار أصل اللغة فلا يصح أن يفسر به الخز في كلام الشارح كما لا يخفى ( قوله : كما قاله الأذرعي ) عبارة الأذرعي نقلا عن الحاوي للماوردي : ولو تحلت برصاص أو نحاس ، فإن كان موه بذهب أو فضة أو مشابها لهما بحيث لا يعرف إلا بتأمل أو لم يكن كذلك ولكنها من قوم يتزينون بمثل ذلك فحرام ، وإلا فحلال انتهت .

                                                                                                                            وعليه ، فيتعين قراءة مشبهه بالرفع عطفا على ما موه ، والضمير فيه لأحدهما ، والتقدير ومنه ما موه بأحدهما ومنه مشبه أحدهما ، وقوله : إن ستره ليس في كلام الأذرعي عن الماوردي كما ترى ، فكأن الشارح قيد به المموه بأحدهما لكن كان ينبغي تقديمه على قوله أو مشبهه مع بيان أنه من عند نفسه بأن يقول : أي إن ستره ، وقوله : بحيث لا يعرف إلا بتأمل قد عرفت أنه قيد في مشبه أحدهما فتأمل ( قوله : وذبل ) هو بفتح الذال المعجمة [ ص: 151 ] قوله : نعم يحل لبسه ليلا ) يعني : جميع ما مر ( قوله : وفارق حرمة اللبس ) أي لبس الثياب ( قوله : بفتح أو كسر فسكون ) وكذا بفتح وكسر كما في التحفة ( قوله : أي يوقده ويحسنه ) هو عطف تفسير كما لا يخفى ، والمراد من تحسين الوجه بوضع الصبر في العين أنه يحسن العين ، فيظهر بذلك رونق في الوجه ، وإلا فما في العين لا يصل منه شيء إلى الوجه يوجب حسنه في نفسه كما لا يخفى ( قوله : لم يتحقق الخوف على عينها ) قضيته أنه لا يباح لها الاكتحال إلا عند التحقق للضرر ، وانظر بم [ ص: 152 ] يحصل التحقق ، بل هذا الجواب قد لا يصح إذ كيف يمنعها مما تتحقق الضرر بعدمه لعدم تحققه له ، ولو أجاب بأنه كان يعلم عدم الضرر كان واضحا ( قوله : وألحق به ) أي بالحاجب وقوله : كل ما يتزين به هو ببناء يتزين للفاعل ( قوله : ظفر ) كان ينبغي قبله لام كما فعل غيره حتى لا يضيع تنوين قلم في المتن ( قوله : ويجوز بنحو سدر ) [ ص: 153 ] انظر ما معناه هنا وتقدم الكلام على السدر ونحوه في إزالة الوسخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية