الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        [ ص: 138 ] البينة على الإعسار مسموعة ، وإن تعلقت بالنفي للحاجة ، كشهادة أن لا وارث غيره ، وتسمع وإن أقامها في الحال . ويشترط في الشهود مع شروط الشهود ، الخبرة الباطنة كطول الجوار أو المخالطة . فإن عرف القاضي أنهم بهذه الصفة ، فذاك ، وإلا ، فله اعتماد قولهم : إنا بهذه الصفة ، قاله في النهاية . ويكفي شاهدان كسائر الحقوق . وقال الفوراني : يشترط ثلاثة ، وهذا شاذ . وفيه حديث في صحيح مسلم وحمله الجمهور على الاستظهار والاحتياط . وأما صيغة شهادتهم ، فأن يقولوا : هو معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه .

                                                                                                                                                                        ولو أضافوا إليه : وهو ممن تحل له الصدقة ، جاز ولا يشترط . قال في " التتمة " : ولا يقتصرون على أنه لا ملك له ، حتى لا تتمحض شهادتهم نفيا ، لفظا ومعنى ، ويحلف المشهود له مع البينة ، لجواز أن يكون له مال في الباطن . وهل هذا التحليف واجب ، أم مستحب ؟ قولان . ويقال : وجهان . أظهرهما : الوجوب ، وعلى التقديرين ، هل يتوقف على استدعاء الخصم ؟ وجهان . أحدهما : لا ، كما لو ادعي على ميت أو غائب . فعلى هذا هو من آداب القضاء . وأصحهما : نعم . كيمين المدعى عليه . قال الإمام : الخلاف فيما إذا سكت ، فأما إذا قال : لست أطلب يمينه ، ورضيت بإطلاقه ، فلا يحلف بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حيث قبلنا قوله مع يمينه ، فيقبل في الحال كالبينة . قال الإمام : ويحتمل أن يتأنى القاضي ويسأل عن باطن حاله ، بخلاف البينة . وحيث قلنا : لا يقبل قوله إلا ببينة ، فادعى أن الغرماء يعرفون إعساره ، فله تحليفهم على نفي العلم ، فإن نكلوا ، حلف وثبت إعساره . وإن حلفوا ، حبس . ومهما ادعى ثانيا وثالثا أنه بان لهم [ ص: 139 ] إعساره ، فإن له تحليفهم ، قال في " التتمة " : إلا أن يظهر للقاضي أنه يقصد الإيذاء واللجاج .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا حبسه ، لا يغفل عنه بالكلية . فلو كان غريبا لا يتأتى له إقامة البينة ، فينبغي أن يوكل به القاضي من يبحث عن وطنه ومنقلبه ، ويتفحص عن أحواله بحسب الطاقة ، فإذا غلب على ظنه إعساره ، شهد به عند القاضي لئلا يتخلد في الحبس ، ومتى ثبت الإعسار ، وخلاه الحاكم ، فعاد الغرماء وادعوا بعد أيام أنه استفاد مالا ، وأنكر ، فالقول قوله ، وعليهم البينة . فإن أتوا بشاهدين فقالا : رأينا في يده مالا يتصرف فيه ، أخذه الغرماء . فإن قال : أخذته من فلان وديعة أو قراضا ، وصدقه المقر له ، فهو له ولا حق فيه للغرماء . وهل لهم تحليفه : أنه لم يواطئ المقر له ، وأقر عن تحقيق ؟ وجهان . أصحهما : لا ; لأنه لو رجع عن إقراره لم يقبل . وإن كذبه المقر له ، صرف إلى الغرماء ، ولا يلتفت إلى إقراره الآخر . وإن كان المقر له غائبا ، توقف حتى يحضر ، فإن صدقه ، أخذه ، وإلا ، فيأخذه الغرماء .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية