الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 133 ] قوله : روي عن طلحة بن مصرف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة ، والاستنشاق } ، ويقال : إن عثمان وعليا روياه كذلك .

77 - ( 8 ) - وروي عن علي { في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد }. ونقل مثله عن وصف عبد الله بن زيد ، والرواية عنه ، وعن علي وعثمان في أبواب مختلفة .

78 - ( 9 ) - وروي عن علي في حديثه : { أنه أخذ غرفة فتمضمض منها ثلاثا ، وغرفة أخرى استنشق منها ثلاثا }.

79 - ( 10 ) - وروي عن عبد الله بن زيد في حديثه : { أنه أخذ غرفة فتمضمض منها ثم استنشق ، ثم أخذ غرفة أخرى فتمضمض منها ثم استنشق ، ثم أخذ غرفة ثالثة فتمضمض منها ثم استنشق }. أما حديث : طلحة بن مصرف ، عن أبيه ، عن جده ، فرواه أبو داود في حديث فيه : { ورأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق }. وفيه ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف . وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم . تركه يحيى بن القطان ، وابن مهدي ، وابن معين ، وأحمد بن حنبل ، وقال النووي في تهذيب الأسماء : اتفق العلماء على ضعفه . وللحديث علة أخرى ، ذكرها أبو داود عن أحمد ، قال : كان ابن عيينة ينكره ويقول : أيش هذا ، طلحة بن مصرف ، عن أبيه ، عن جده ، وكذلك حكى عثمان الدارمي ، عن علي بن المديني ، وزاد : وسألت عبد الرحمن بن مهدي ، عن اسم جده ؟ فقال : عمرو بن كعب - أو كعب بن عمرو - وكانت له صحبة . وقال الدوري عن ابن معين : المحدثون يقولون : إن جد طلحة رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهل بيته يقولون : ليست له صحبة . وقال الخلال عن أبي داود : سمعت [ ص: 134 ] رجلا من ولد طلحة يقول : إن لجده صحبة .

وقال ابن أبي حاتم : إن لجده صحبة ، وقال ابن أبي حاتم في العلل : سألت أبي عنه ، فلم يثبته ، وقال : طلحة هذا يقال : إنه رجل من الأنصار . ومنهم من يقول : طلحة بن مصرف . قال : ولو كان طلحة بن مصرف لم يختلف فيه . وقال ابن القطان : علة الخبر عندي الجهل بحال مصرف بن عمرو والد طلحة ، وصرح بأنه طلحة بن مصرف : ابن السكن ، وابن مردويه في كتاب أولاد المحدثين ، ويعقوب بن سفيان في تاريخه ، وابن أبي خيثمة أيضا ، وخلق . وأما رواية علي ، وعثمان للفصل فتبع فيه الرافعي الإمام في النهاية . وأنكره ابن الصلاح في كلامه على الوسيط ، فقال : لا يعرف ، ولا يثبت ، بل روى أبو داود ، عن علي ضده .

قلت : روى أبو علي بن السكن في صحاحه من طريق أبي وائل - شقيق بن سلمة - قال : { شهدت علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان . توضآ ثلاثا ثلاثا ، وأفردا المضمضة من الاستنشاق ، ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ }. فهذا صريح في الفصل ، فبطل إنكار ابن الصلاح ، وقد روي عن علي بن أبي طالب أيضا الجمع . ففي مسند أحمد عن علي أنه دعا بماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا ، وتمضمض وأدخل بعض أصابعه في فيه ، واستنشق ثلاثا . بل في ابن ماجه ما هو أصرح من هذا بلفظ توضأ فمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، من كف واحد .

وروى أبو داود من طريق ابن أبي مليكة ، عن عثمان : أنه رآه دعا بماء ، فأتى بميضأة فأصغاها على يده اليمنى ، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا ، واستنثر ثلاثا " . الحديث . وفيه رفعه ، وهو ظاهر في الفصل . وأما حديث علي في صفة الوضوء ، فله عنه طرق : [ ص: 135 ] أحدها : عن أبي حية ، بالحاء المهملة والياء المثناة تحت المثقلة ، قال : رأيت عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ، ثم تمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ، ومسح رأسه مرة ، ثم غسل قدميه إلى الكعبين . الحديث رواه الترمذي وهذا لفظه ، وأبو داود مختصرا ، والبزار ولفظه : ثم أدخل يده في الإناء ، فملأ فمه فمضمض ، ثم استنشق ، ونثر بيده اليسرى ثلاث مرات .

ثانيها : عن زر بن حبيش ، عنه ، رواه أبو داود من حديث المنهال بن عمرو عنه ، وأعله أبو زرعة بأنه إنما يروى عن المنهال ، عن أبي حية عن علي . ثالثها : عن عبد خير عن علي : أتى بإناء فيه ماء وطشت ، فأفرغ من الإناء على يمينه ، فغسل يديه ثلاثا ، ثم تمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، وغسل يده اليمنى ثلاثا ، وغسل يده الشمال ثلاثا ، ثم مسح برأسه مرة ، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ، ورجله الشمال ثلاثا . رواه أبو داود والنسائي ، وفي رواية لابن ماجه : فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا ، من كف [ ص: 136 ] واحد .

ورواه ابن حبان إلا أنه لم يقل : من كف واحد ، والبزار في آخره : فغسل قدميه بيده اليسرى . رابعها : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : رأيت عليا توضأ ، فغسل وجهه ثلاثا ، وغسل ذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه واحدة . ورفعه . رواه أبو داود بسند صحيح . خامسها : عن ابن عباس ، عنه ، رواه أبو داود مطولا ، والبزار ، وقال : لا نعلم أحدا روى هذا هكذا ; إلا من حديث عبيد الله الخولاني ، ولا نعلم أن أحدا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فيه .

وأخرجه ابن حبان من طريقه مختصرا ، وضعف البخاري فيما حكاه الترمذي . سادسها : عن النزال بن سبرة ، عن علي ، رواه ابن حبان وفيه : فأخذ كفا فتمضمض ، واستنشق . وفي آخره : ثم قام فشرب فضلة وهو قائم . وأصله في البخاري مختصرا . وأما حديث عثمان في صفة الوضوء فمتفق عليه . وله ألفاظ وطرق [ ص: 137 ] عندهما . منها : ثم أدخل يمينه في الإناء ، فمضمض واستنشق ، وللبخاري : { ثم تمضمض ، واستنشق ، واستنثر ثلاثا }. وأما حديث عبد الله بن زيد بن عاصم فمتفق عليه .

وله طرق . منها : { فمضمض واستنشق من كف واحد ، فعل ذلك ثلاثا }. وفي لفظ للبخاري : { فمضمض ، واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات }. وفي رواية لهما { فمضمض ، واستنشق واستنثر ، من ثلاث غرفات } ، وفي رواية لابن حبان : { فتمضمض واستنشق ثلاث مرات من ثلاث حفنات }. وفي لفظ للبخاري : { فمضمض ، واستنشق ثلاث مرات من غرفة واحدة }. فقد تبين الاختلاف عليه فيه كما قال المصنف .

وفي الباب عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ، وجمع بين المضمضة والاستنشاق }. رواه الدارمي وابن حبان والحاكم ، وهو في البخاري بلفظ : { فأخذ غرفة من ماء ، فتمضمض [ ص: 138 ] منها ، واستنشق }كما تقدم . وقوله : { فيمضمض منها ثلاثا ، ويستنشق من أخرى ثلاثا }; لأن عليا رواه كذلك . هو أحد احتمالي حديث أبي حية ، عن علي عند البيهقي وغيره . ولفظه : { ثم تمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا }. وكذا حديث طلحة بن مصرف عن " أبيه عن " جده ففيها : { فمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا }. وقوله : { يأخذ غرفة فيمضمض بها ثم يستنشق ، ثم يمضمض ، ثم يستنشق ، ثم يمضمض ، ثم يستنشق } ، روي ذلك عن عبد الله بن زيد . هو أحد احتمالي حديثه الذي أخرجه البخاري بلفظ : { فمضمض واستنشق ثلاث مرات من غرفة واحدة }.

قوله : { يأخذ غرفة يتمضمض منها ثلاثا ، ويستنشق ثلاثا } ، روي ذلك في بعض الروايات . هو أحد احتمالي حديث ابن عباس في البخاري : { أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق }. وللحاكم : { توضأ مرة مرة ، وجمع بين المضمضة والاستنشاق }. وأقرب منه إلى الصراحة رواية أبي داود عن علي : { ثم تمضمض ، واستنشق ، يمضمض ويستنشق من الكف الذي أخذ فيه }. ولأبي داود الطيالسي : { ثم تمضمض ثلاثا مع الاستنشاق بماء واحد }.

التالي السابق


الخدمات العلمية