الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الثامن عشر : ومثل هذا في سائر الجمادات

          [ حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي ، حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن المرابط ، حدثنا المهلب ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ] ، عن ابن مسعود ، قال : لقد كنا نسمع تسبيح الطعام ، وهو يؤكل .

          وفي غير هذه الرواية عن ابن مسعود : كنا نأكل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطعام ، ونحن نسمع تسبيحه .

          وقال أنس : أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - كفا من حصى ، فسبحن في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعنا التسبيح ، ثم صبهن في يد أبي بكر - رضي الله عنه - فسبحن ، ثم في أيدينا فما سبحن .

          وروى مثله أبو ذر ، وذكر أنهن سبحن في كف عمر ، وعثمان رضي الله عنهما .

          وقال علي : كنا بمكة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فخرج إلى بعض نواحيها ما استقبله شجرة ، ولا جبل إلا قال له : السلام عليك يا رسول الله .

          وعن جابر بن سمرة عنه - صلى الله عليه وسلم - : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي . قيل : إنه الحجر الأسود .

          [ ص: 309 ] وعن عائشة - رضي الله عنها - : لما استقبلني جبريل - عليه السلام - بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ، ولا شجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله .

          وعن جابر بن عبد الله : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بحجر ، ولا شجر إلا سجد له .

          وفي حديث العباس ، إذا اشتمل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى بنيه ، بملاءة ، ودعا لهم بالستر من النار كستره إياهم بملاءته ، فأمنت أسكفة الباب ، وحوائط البيت : آمين آمين .

          وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه : مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه جبريل بطبق فيه رمان ، وعنب فأكل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسبح .

          وعن أنس : صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان أحدا ، فرجف بهم ، فقال : اثبت أحد ، فإنما عليك نبي ، وصديق ، وشهيدان .

          ومثله عن أبي هريرة في حراء ، وزاد : معه علي ، وطلحة ، والزبير ، وقال : فإنما عليك نبي ، أو صديق ، أو شهيد .

          والخبر في حراء أيضا عن عثمان قال : ومعه عشرة من أصحابه أنا فيهم .

          وزاد عبد الرحمن ، وسعدا ، قال : ونسيت الاثنين .

          وفي حديث سعيد بن زيد أيضا مثله ، وزاد عشرة ، وزاد نفسه .

          وقد روي أنه حين طلبته قريش قال له ثبير : اهبط يا رسول الله ، فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله .

          فقال حراء : إلي يا رسول الله
          .

          وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ على المنبر : وما قدروا الله حق قدره [ الأنعام : 91 ] ، ثم قال : يمجد الجبار نفسه ، يقول : أنا الجبار ، أنا [ ص: 310 ] الجبار ، أنا الكبير المتعال ، فرجف المنبر حتى قلنا : ليخرن عنه .

          وعن ابن عباس : كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم مثبتة الأرجل بالرصاص في الحجارة ، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها ، ولا يمسها ، ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ الإسراء : 81 ] الآية . فما أشار إلى وجه صنم إلا وقع لقفاه ، ولا لقفاه إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم .

          ومثله في حديث ابن مسعود ، وقال : فجعل يطعنها ويقول : جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد .

          ومن ذلك حديثه مع الراهب في ابتداء أمره ، إذ خرج تاجرا مع عمه ، وكان الراهب لا يخرج لأحد ، فخرج يتخللهم ، حتى أخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : هذا سيد العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين .

          فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ، فقال : إنه لم يبق شجر ، ولا حجر إلا خر ساجدا له ، ولا تسجد إلا لنبي . . . وذكر القصة ، ثم قال : وأقبل - صلى الله عليه وسلم - ، وعليه غمامة تظلله ، فلما دنا من القوم ، وجدهم سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال الفيء إليه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية