الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتخصيص الأزمنة بالحوادث المختلفة أمر مشهود ، ولأن الفاعل الذي يحدث ما يحدثه من غير فعل يقوم بنفسه غير معقول ، بل ذلك يقتضي أن الفعل هو المفعول ، والخلق هو المخلوق ، وأن مسمى المصدر هو مسمى المفعول به ، وأن التأثير هو الأثر .

ونحن نعلم بالاضطرار أن التأثير أمر وجودي ، وإذا كان دائما لزم قيامه بذاته دائما ، وأن تكون ذاته دائما موصوفة بالتأثير ، والتأثير صفة كمال ، فهو لم يزل متصفا بالكمال، قابلا للكمال، مستوجبا للكمال . وهذا أعظم في إجلاله وإكرامه -سبحانه وتعالى .

وبهذه الطريق وأمثالها يتبين أن الحجة العقلية التي يحتج بها [ ص: 70 ] أهل الضلال ، فإنه يحتج بها على نقيض مطلوبهم ، كما أن الحجج السمعية التي يحتجون بها حالها كذلك .

وذلك مثل احتجاجهم على قدم الأفلاك ، بأنه إذا كان مؤثرا في العالم، فإما أن يكون التأثير وجوديا أو عدميا ، والثاني معلوم الفساد بالضرورة .

لكن هذا قول كثير من المعتزلة والأشعرية ، وهو قول من يقول: الخلق هو المخلوق ، وإن كان وجوديا ، فإن كان حادثا لزم التسلسل ، ولزم كونه محلا للحوادث، فيجب أن لا يكون قديما ، وإن كان قديما ، لزم قدم مقتضاه، فيلزم قدم الأثر .

فيقال: أولا: هذا يقتضي أن لا يكون شيء من آثاره محدثا ، وهذا خلاف المشاهدة .

وموجب هذه الحجة : أن الأثر يقترن بالمؤثر التام التأثير ، وإذا كان كذلك فكلما حدث من الحوادث شيء كان التأثير التام منتفيا في الأزل، وكذلك أيضا كلما تجدد شيء من المتجددات . وحينئذ فيلزم أنه لم يكن في الأزل تأثير يستلزم آثاره ، وهذا نقيض قولهم .

وحينئذ فيلزم حدوث التأثير وتسلسله، وإذا كان التأثير وجوديا [ ص: 71 ] وجب أن يكون قائما بالمؤثر ، وهذا يقتضي دوام ما يقوم بذاته من أحواله وشؤونه التي هي [من] آثار قدرته ومشيئته .

وهذه الحجج الثلاث المذكورة مبناها على جواز التسلسل في الآثار ، والكرامية لا تقول بذلك، لكن يقول به غيرهم من المسلمين، وأهل الملل ، وغير أهل الملل .

والكرامية تجيب من يوافقها على التسلسل بما تقدم من المعارضات أو الممانعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية