الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1661 328 - حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة، والحكم، بفتحتين، هو ابن عيينة، بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، ووقع في بعض النسخ مذكورا عن الحكم بن عتيبة، وإبراهيم هو النخعي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلى الجمرة الكبرى" هي جمرة العقبة آخر الجمرات الثلاث بالنسبة إلى المتوجه من منى إلى مكة. قوله: " ومنى عن يمينه" ؛ أي: وجعل منى عن يمينه. قوله: " ورمى بسبع" ؛ أي: بسبع حصيات.

                                                                                                                                                                                  ويستفاد منه أن رمي الجمرة لا بد أن يكون بسبع حصيات، وهو قول أكثر العلماء، وذهب عطاء إلى أنه إن رمى بخمس أجزأه، وقال مجاهد: إن رمى بست فلا شيء عليه، وبه قال أحمد وإسحاق، واحتج من قال بذلك بما رواه النسائي من حديث سعد بن مالك رضي الله عنه قال: رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وبعضنا يقول: رميت بست حصيات، وبعضنا يقول: رميت بسبع، فلم يعب بعضنا على بعض .

                                                                                                                                                                                  وروى أبو داود، والنسائي أيضا من رواية أبي مجلز قال: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن شيء من أمر الجمار، فقال: ما أدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع، والصحيح الذي عليه الجمهور أن الواجب سبع كما صحح من حديث ابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم، وأجيب عن حديث سعد بأنه ليس بمسند، وعن حديث ابن عباس أنه ورد على الشك من ابن عباس، وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازم، فإنه رماها بأقل من سبع حصيات، فذهب الجمهور فيما حكاه القاضي عياض إلى أن عليه دما، وهو قول مالك، والأوزاعي، وذهب الشافعي، وأبو ثور إلى أن على تارك حصاة مدا من طعام، وفي اثنتين مدين، وفي ثلاث فأكثر دما، وللشافعي قول آخر أن في الحصاة ثلث دم، وله قول آخر: أن في الحصاة درهما.

                                                                                                                                                                                  وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى أنه إن ترك أكثر من نصف الجمرات الثلاث فعليه دم، وإن ترك أقل من نصفها ففي كل حصاة نصف صاع، وعن طاوس: إن رمى ستا يطعم تمرة أو لقمة، وذكر الطبري عن بعضهم: أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع تكبيرات أجزأه ذلك، وقال: إنما جعل الرمي في ذلك بالحصى سببا لحفظ التكبيرات السبع كما جعل عقد الأصابع بالتسبيح سببا لحفظ العدد، وذكر عن يحيى بن سعيد أنه سئل عن الخرز والنوى يسبح به، قال: حسن قد كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: إنما الحصى للجمار ليحفظ به التكبيرات، وقال الحكم، وحماد: من نسي جمرة أو جمرتين أو حصاتين يهريق دما، وقال عطاء: من نسي شيئا من رمي الجمار فذكر ليلا أو نهارا فيلزم ما نسي، ولا شيء عليه، وإن مضت أيام التشريق فعليه دم، وهو قول الأوزاعي، وقال مالك: إن نسي حصاة من الجمرة حتى ذهبت أيام الرمي ذبح شاة، وإن نسي جمرة تامة ذبح بقرة.

                                                                                                                                                                                  واختلفوا فيمن [ ص: 89 ] رمى سبع حصيات في كل مرة واحدة، فقال مالك والشافعي: لا يجزيه إلا عن حصاة واحدة، ويرمي بعدها ستا، وقال عطاء: تجزيه عن السبع، وهو قول أبي حنيفة كما في سياط الحد سوطا سوطا، ومجتمعة إذا علم وصول الكل إلى بدنه، هذا الذي ذكر عن أبي حنيفة ذكره صاحب التوضيح، وذكر في المحيط: ولو رمى إحدى الجمار بسبع حصيات رمية واحدة فهي بمنزلة حصاة، وكان عليه أن يرمي ست مرات.

                                                                                                                                                                                  (قلت): العمدة في النقل عن صاحب مذهب من المذاهب على نقل صاحب من أصحاب ذلك المذهب.

                                                                                                                                                                                  ومن فوائده أنه يرمي الجمرة وهو يجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وهو أحد الوجوه للشافعية، وقال النووي: هو الصحيح من مذهبنا، قال: وبه قال جمهور العلماء، وفي وجه: أنه يستدبر القبلة، ويستقبل الجمرة مما يلي مكة، وتكون منى أيضا أمامه، وبه قطع الشيخ أبو حامد، وفي وجه: يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة على يمينه، ومنى خلف ظهره، ومنها: أنه لا بد من مسمى الرمي، وأنه لا يكفي الوضع، وهو كذلك عند الجمهور، وحكى القاضي عياض عن المالكية أن الطرح والوضع لا يجزئ، قال: وقال أصحاب الرأي: يجزئ الطرح، ولا يجزئ الوضع، قال: ووافقنا أبو ثور إلا أنه قال: إن كان يسمي الطرح رميا أجزأه، وحكى إمام الحرمين أيضا عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكفي الوضع.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قال صاحب المحيط: وضع الحصاة لا يجزيه عن الرمي، ويجزيه طرحها؛ لأنه رمي حقيقة.

                                                                                                                                                                                  ومنها: أن المراد بسبع جمرات، وهي الحصيات، وقال أصحابنا: يجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض كالحجر والمدر، والمراد السبج، وكسر الآجر، ولا يجوز بما ليس من جنس الأرض كالذهب والفضة واللؤلؤ والعنبر، وذهب داود إلى جوازه بكل شيء حتى بالبعرة، والعصفور الميت، وقال ابن المبارك: لا يجوز إلا بالحصى، وقال أحمد: لا يجوز بالحجر الكبير.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية