الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3629 - وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أصاب حدا فعجل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة ، ومن أصاب حدا فستره الله وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه . رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : هذا حديث غريب .

التالي السابق


3629 - ( وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أصاب حدا ) أي ذنبا يوجب حدا فأقيم المسبب مقام السبب ويجوز أن يراد بالحد المحرم من قوله تلك حدود الله فلا تعتدوها أي تلك محارمه ، ذكره الطيبي ( فعجل ) بصيغة المجهول أي فقدم ( عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثني ) بتشديد النون أي يكرر ( على عبده العقوبة في الآخرة ومن أصاب حدا فستره الله عليه ) بأن تاب عن الذنب ، والجمهور على أن ستر العبد على نفسه وتوبته فيما بينه وبين الله أولى من الإظهار ( وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه . رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : هذا حديث غريب ) ورواه الحاكم في مستدركه .

باب التعزير في المغرب : التعزير تأديب دون الحد ، وأصله من العزر بمعنى الرد والردع ، قال ابن الهمام : وهو مشروع بالكتاب قال تعالى : واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أمر بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا ، وفي الكافي قال عليه الصلاة والسلام : لا ترفع عصاك عن أهلك . وروي أنه عليه الصلاة والسلام عزر رجلا قال لغيره : يا مخنث . وفي المحيط روي عنه عليه الصلاة والسلام قال : رحم الله امرأ علق سوطه حيث يراه أهله . وأقوى هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام : فاضربوهم على تركها بعشر في الصبيان . فهذا دليل شرعية التعزير وأجمع عليه [ ص: 2379 ] الصحابة ، وذكر التمرتاشي عن السرخسي أنه ليس فيه شيء مقدر بل مفوض إلى رأي القاضي ; لأن المقصود منه الزجر ، وأحوال الناس مختلفة فيه فمنهم من يزجر بالنصيحة ومنهم من يحتاج إلى اللطمة وإلى الضرب ومنهم من يحتاج إلى الحبس ، وسئل أبو جعفر الهندواني عمن وجد رجلا مع امرأة أيحل له قتله ؟ قال : إن كان يعلم أنه ينزجر عن الزنا بالصياح والضرب بما دون السلاح لا يقتله ، وإن علم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له قتله ، وإن طاوعته المرأة حل قتلها أيضا ، وهذا تنصيص على أن الضرب تعزير يملكه الإنسان وإن لم يكن محتسبا وصرح في المنتقى بذلك وهذا لأنه من باب إزالة المنكر باليد والشارع ولى كل أحد ذلك حيث قال : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه . الحديث بخلاف الحدود لم يثبت توليتها إلا للولاة ، ثم التعزير فيما شرع فيه التعزير إذا رآه الإمام واجبا ، وهو قول مالك وأحمد وعند الشافعي ليس بواجب لما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أصليت معنا ؟ قال : نعم ، فتلا عليه إن الحسنات يذهبن السيئات وقال في الأنصار : اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم . وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم في الحكم الذي حكم به للزبير في سقي أرضه فلم يوافق غرضه : أن كان ابن عمتك ، فغضب صلى الله عليه وسلم ولم يعزره ، ولنا أن ما كان منصوصا من التعزير كما في وطء جارية امرأته أو جارية مشتركة يجب امتثال الأمر فيه وما لم يكن منصوصا عليه إذا رأى الإمام بعد مجانبة هوى نفسه المصلحة وعلم أنه لا ينزجر إلا به وجب لأنه زاجر مشروع لحق الله تعالى فوجب كالحد وما علم أنه ينزجر بدونه لا يجب ، وهو محمل حديث الذي ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أصاب من المرأة . فإنه لم يذكره للنبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو نادم منزجر ; لأن ذكره له ليس إلا للاستعلام بموجبه ليفعل معه ، وأما حديث الزبير فالتعزير لحق آدمي وهو النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز له تركه .




الخدمات العلمية