الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 201 ] فصل : ويجوز أن يشهد على كل واحد من شاهدي الأصل شاهد فرع ، فيشهد شاهدا فرع على شاهدي أصل . قال القاضي : لا يختلف كلام أحمد في هذا . وهو قول شريح ، والشعبي ، والحسن ، وابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وإسحاق ، والبتي ، والعنبري ، ونمير بن أوس .

                                                                                                                                            قال إسحاق : لم يزل أهل العلم على هذا ، حتى جاء هؤلاء وقال أحمد : وشاهد على شاهد يجوز ، لم يزل الناس على ذا ; شريح فمن دونه ، إلا أن أبا حنيفة أنكره . وذهب أبو عبد الله بن بطة ، إلى أنه لا يقبل على كل شاهد أصل إلا شاهدا فرع . وهذا قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ; لأن شاهدي الفرع يثبتان شهادة شاهدي الأصل ، فلا تثبت شهادة كل واحد منهما بأقل من شاهدين ، كما لا يثبت إقرار مقرين بشهادة اثنين ، يشهد على كل واحد منهما واحد .

                                                                                                                                            ولنا ، أن هذا يثبت بشاهدين ، وقد شهد اثنان بما يثبته ، فيثبت ، كما لو شهدا بنفس الحق ، ولأن شاهدي الفرع بدل من شهود الأصل ، فيكفي في عددها ما يكفي في شهادة الأصل ، ولأن هذا إجماع ، على ما ذكره أحمد وإسحاق ، ولأن شاهدي الفرع لا ينقلان عن شاهدي الأصل حقا عليهما ، فوجب أن يقبل فيه قول واحد ، كأخبار الديانات ، فإنهم إنما ينقلون الشهادة ، وليست حقا عليهم ، ولهذا لو أنكراها لم يعد الحاكم عليهما ، ولم يطلبها منهما . وهذا الجواب عما ذكروه .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا ، فمن اعتبر لكل شاهد أصل شاهدي فرع ، أجاز أن يشهد شاهدان على كل واحد من شاهدي الأصل . وبهذا قال مالك ، وأصحاب الرأي . قال الشافعي : ورأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزه . وخرجه على قولين ; أحدهما ، جوازه . والآخر ، لا يجوز حتى يكون شهود الفرع أربعة ، على كل شاهد أصل شاهدا فرع . واختاره المزني ; لأن من يثبت به أحد طرفي الشهادة ، لا يثبت به الطرف الآخر ، كما لو شهد أصل مع شاهد ، ثم شهد مع آخر على شهادة شاهد الأصل الآخر ولنا ، أنهما شهدا على قولين ، فوجب أن يقبل ، كما لو شهدا بإقرارين بحقين ، أو بإقرار اثنين .

                                                                                                                                            وإنما لم يجز أن يشهد شاهد الأصل فرعا ; لأنه يؤدي إلى أن يكون بدل أصلا في شهادة بحق ، وذلك لا يجوز ، ولأنهم يثبتون بشهادتهم شهادة الأصل ، وليست شهادة أحدهم ظرفا لشهادة الآخر ، فعلى قول الشافعي أن يثبت الحق بشهادة رجل وامرأتين ، وجب أن يكون شهود الفرع ستة ، وإن كان حق يثبت بأربع نسوة ، فوجب أن يكون شهود الفرع ثمانية ، وإن كان المشهود به زنا ، خرج فيه خمسة أقوال ; أحدها ، لا مدخل لشهادة الفرع في إثباته .

                                                                                                                                            والثاني ، يجوز ، ويجب أن يكون شهود الفرع ستة عشر ، فيشهد على شهادة كل واحد من شهود الأصل أربعة . الثالث ، يكفي ثمانية . والرابع ، يكونون أربعة ، يشهدون على كل واحد . والخامس ، يكفي شاهدان يشهدان على كل واحد من شهود الأصل . وهذا إثبات لحد الزنى بشاهدين ، وهو بعيد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية