الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3600 - "جنان الفردوس أربع: جنتان من ذهب؛ حليتهما وآنيتهما وما فيهما ؛ وجنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما؛ وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن؛ وهذه الأنهار تشخب من جنة عدن؛ ثم تصدع بعد ذلك أنهارا"؛ (حم طب)؛ عن أبي موسى ؛ (صح) .

التالي السابق


(جنان الفردوس أربع: جنتان) ؛ مبتدأ؛ (من ذهب) ؛ خبر قوله: (حليتهما) ؛ بكسر الحاء؛ (وآنيتهما؛ وما فيهما) ؛ والجملة خبر المبتدإ الأول؛ ومتعلق "من ذهب"؛ محذوف؛ أي: حليتهما وآنيتهما كائنة من ذهب؛ (وجنتان من فضة حليتهما وآنيتهما؛ وما فيهما) ؛ وفي رواية: " جنتان من ذهب للمقربين؛ ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين" ؛ خرجه الطبراني ؛ وابن أبي حاتم ؛ ورجاله - كما قال ابن حجر - ثقات؛ وصرح جمع بأن الأوليين أفضل؛ وعكس بعض المفسرين؛ والحديث حجة للأولين؛ وظاهر الحديث أن الجنتين من ذهب؛ لا فضة فيهما؛ وبالعكس؛ قال ابن حجر : ويعارضه حديث أبي هريرة : "قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة؛ ما بناؤها؟ قال: "لبنة من ذهب؛ ولبنة من فضة" ؛ خرجه أحمد والترمذي ؛ وصححه ابن حبان ؛ وفي حديث البزار : "خلق الله الجنة لبنة من ذهب؛ ولبنة من فضة ؛ وفي خبر البيهقي أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب؛ ولبنة من فضة ؛ وجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها؛ والثاني صفة حوائط الجنان كلها؛ ثم الظاهر أن هذه الأربع ليس منها جنة عدن؛ فإنها ليست [ ص: 351 ] من ذهب؛ ولا فضة؛ بل من لؤلؤ وياقوت وزبرجد؛ لخبر ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا: "خلق الله جنة عدن بيده؛ لبنة من درة بيضاء؛ ولبنة من ياقوتة حمراء؛ ولبنة من زبرجدة خضراء؛ ملاطها المسك؛ وحصباؤها اللؤلؤ؛ وحشيشها الزعفران" ؛ ثم إنه (تعالى) جعل تركيب الصلاة على منوال ترتيب الجنة؛ إشارة إلى أنه لا يدخلها إلا المصلون؛ فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب؛ ولبنة من فضة؛ وملاطها المسك؛ فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة؛ ولبنة من ركوع؛ ولبنة من سجود؛ وملاطها التسبيح والتحميد والتهليل والتمجيد؛ ومن ثم قال النبي: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر ؛ (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم) ؛ "ما"؛ هذه نافية؛ (إلا رداء الكبرياء) ؛ قال النووي : لما كان يستعمل الاستعارات للتفهيم؛ عبر عن مانع رؤيته - تقدس - بـ "رداء الكبرياء"؛ فإذا تجلى الله عليهم؛ يكون إزالة لذلك؛ وقال غيره: المراد أنه إذا دخل المؤمنون الجنة؛ وتبوؤوا مقاعدهم؛ رفع ما بينهم وبين النظر إلى ربهم من الموانع والحجب التي منشؤها كدورة الجسم؛ ونقص البشرية؛ والانهماك في المحسوسات الحادثة؛ ولم يبق ما يحجزهم عن رؤيته إلا هيبة لجلال؛ وسبحات الجمال؛ وأبهة الكبرياء؛ فلا يرفع ذلك منهم إلا برأفة ورحمة منه؛ تفضلا على عباده؛ وقال عياض : استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وجلاله المانع لإدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك؛ رداء الكبرياء؛ فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم؛ كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته؛ (على وجهه) ؛ أي: ذاته؛ وقوله: (في جنة عدن) ؛ راجع إلى القوم؛ أي: وهم في جنة عدن؛ لا إلى الله؛ لأنه لا تحويه الأمكنة؛ (تعالى) الله عن ذلك؛ ذكره عياض ؛ وقال القرطبي : متعلق بمحذوف؛ في محل الحال من القول؛ أي: "كائنين في جنة عدن"؛ وقال القاضي : متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف؛ ليفيد المفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة؛ قال الهروي : هو ظرف لـ "ينظروا"؛ بين به أن النظر لا يحصل إلا بعد الإذن لهم في الدخول في جنة عدن؛ سميت بها لأنها محل قرار رؤية الله؛ ومنه "المعدن"؛ لمستقر الجواهر؛ (وهذه الأنهار تشخب) ؛ بمثناة فوقية مفتوحة؛ وشين معجمة ساكنة؛ وخاء معجمة مضمومة؛ فموحدة؛ أي: تجري وتسيل؛ (من جنة عدن؛ ثم تصدع) ؛ أي: تتفرق؛ (بعد ذلك أنهارا) ؛ في الجنان كلها؛ وفيه أن الجنان أربع؛ وقال القرطبي : هي سبع؛ وعدها؛ وقال الحكيم : الفردوس سرة الجنة؛ ووسطها؛ والفردوس جنات؛ فعدن كالمدينة؛ والفردوس كالقرى حولها؛ فإذا تجلى الوهاب لأهل الفردوس رفع الحجاب؛ وهو المراد بـ "رداء الكبرياء"؛ هنا؛ فينظرون إلى جلاله وجماله؛ فيضاعف عليهم من إحسانه ونواله.

(حم طب؛ عن أبي موسى ) ؛ الأشعري ؛ قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.




الخدمات العلمية