الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 298 ]

سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين .

[42] ونزل في كعب بن الأشرف وفيمن كان مثله يقبل شهادة الزور، ويحكم ويرتشي:

سماعون للكذب أكالون للسحت قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وأبو عمرو، ويعقوب، والكسائي: (السحت) بضم الحاء، والباقون: بسكونها، وهو الحرام الذي يلزم صاحبه العار، من سحته: إذا استأصله; لأنه مسحوت البركة، وسميت الرشوة سحتا; لسحتها المروءة والدين، والرشوة في الحكم: إذا رشوته ليحق لك باطلا، أو يبطل عنك حقا.

ولا خلاف بين الأئمة أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما لا يجوز سحت حرام، ولا ينفذ القضاء بالرشوة بالاتفاق، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله الراشي والمرتشي" وفي رواية: "والرائش" وهو الماشي بينهما، [ ص: 299 ] وأما إذا لم يكن للقاضي رزق في بيت المال، فأخذ جعلا من الخصم، جاز إذا قضى بالحق، وهو مذهب الشافعي وأحمد، وعند أبي حنيفة إذا أراد القاضي أن يكتب السجل، ويأخذ على ذلك أجرا، يأخذ منه مقدار ما يجوز أخذه لغيره، وكذا لو تولى القسمة بنفسه بأجر، وعند مالك لا ينبغي أن يأخذ رزقه إلا من الحبس، أو من الجزية، أو من عشور أهل الذمة.

فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم خير الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الحكم بينهم إن شاء، وإن شاء ترك.

واختلفوا في حكم الآية اليوم هل للحاكم الخيار في الحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا؟ فقال أكثر أهل العلم: هو حكم ثابت، وليس في سورة المائدة منسوخ، وحكام المسلمين بالخيار في الحكم بين أهل الكتاب، إن شاؤوا حكموا، وإن شاؤوا لم يحكموا، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وقال قوم: حكم الآية منسوخ بقوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله [المائدة: 49]، فيجب على حاكم المسلمين الحكم بينهم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، فأما إذا كانت الخصومة بين مسلم وذمي، فيجب الحكم بينهما بالاتفاق; لأنه لا يجوز لمسلم الانقياد لحكم أهل الذمة.

وإن تعرض عنهم أي: عن الحكم بينهم.

فلن يضروك شيئا نصب; لقيامه مقام المصدر; أي: ضررا.

وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط أي: بالعدل.

إن الله يحب المقسطين العادلين.

التالي السابق


الخدمات العلمية