الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثاني: أن يقال : هذا الإجماع لم ينقل بهذا اللفظ عن السلف والأئمة ، لكن لعلمنا بعظمة الله في قلوبهم، نعلم أنهم كانوا ينزهونه عن النقائص والعيوب .

وهذا كلام مجمل ، فكل من رأى شيئا عيبا أو نقصا، نزه الله عنه بلا ريب .

وإن كان من هؤلاء الجهمية الاتحادية من يقول: إنه موصوف بكل النقائص والعيوب ، كما هو موصوف عنده بكل المدائح، إذ لا موجود عنده إلا هو، فله جميع النعوت: محمودها ومذمومها .

وهذا القائل يدعي أن هذا غاية الكمال المطلق ، كما قال ابن عربي وغيره : "العلى لذاته هو الذي يكون له الكمال المطلق ، الذي يتضمن جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية، سواء كانت محمودة عقلا وشرعا وعرفا، أو مذمومة عقلا وشرعا وعرفا، وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة" . [ ص: 87 ]

وجمهور العقلاء الذين يتصورون هذا القول ، يقولون : هذا معلوم الفساد بالحس والعقل كما هو كفر باتفاق أهل الملل .

ومن المعلوم أن كل متنازعين في هذا الباب ، فإن أحدهما يزعم أنه وصف الحق تعالى بصفة نقص لكن منازعه لا يسلم له ذلك .

فإذا قال : أنت وافقتني على تنزيهه عن النقص والعيب . قال له : هذا الذي نازعتك فيه ليس هو عندي نقصا ولا عيبا، فأي شيء تنفعك موافقتي لك على لفظ أنازعك في معناه ؟

وإن قال : بل اتفقنا على أن كل ما هو نقص في نفس الأمر فالله منزه عنه ، وهذا نقص في نفس الأمر فيجب تنزيه الله عنه .

قال له : أنا وافقتك على أن كل ما هو نقص في نفس الأمر منزه عنه ولم أوافقك على أن كل ما أثبت أنت أنه نقص بدليل تدعي صحته فإنه منزه عنه .

وحاصله أن الإجماع لم يقع بلفظ يعلم به دخول مورد النزاع فيه، ولكن يعلم أن كل ما اعتقده الرجل نقصا فإنه ينزه الله عنه ، وما تنازعا في ثبوته يقول المثبت : أنا لم أوافقك على انتقاء هذا، ولكن أنت تقول: هذا نقص فعليك أن تنفيه ، كما نفيت ذلك النقص الآخر وأنا أقول: ليس هذا بنقص، وذلك الأمر الآخر الذي نفيته نفيته . [ ص: 88 ]

لمعنى منتف فيما أثبته ، وأنا ما نفيت ذاك إلا لمعنى يختص به ، فإن كان ذلك المأخذ صحيحا لم تجب التسوية ، وإن كان باطلا لزم خطئي في نفي ذاك، وحينئذ فإن كانا مستويين لزم خطئي في الفرق بينهما ، وليس خطئي في إثبات ما أثبته بأولى من خطئي في نفي ذاك، وحينئذ فإن كانا مستويين لزم خطئي في الفرق بينهما، وليس خطئي في إثبات ما أثبته بأولى من خطئي في نفي ما نفيته ، فإنما يفيدك هذا تناقضي، إن صح التسوية ، لا يفيدك صحة مذهبك ، وإن ثبت الفرق بطل قولك .

فتبين أن هذا الإجماع هو من الإجماعات المركبة التي ترجع إلى حجة جدلية، ولو كانت صحيحة لم تفد إلا تناقض الخصم .

التالي السابق


الخدمات العلمية