الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4450 [ ص: 584 ] 5 - [باب: قوله: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة [الكهف: 63]]

                                                                                                                                                                                                                              4727 - حدثني قتيبة بن سعيد قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر. فقال كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فقيل له: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، وأوحى إليه: بلى، عبد من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك قال: أي رب كيف السبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتا في مكتل فحيثما فقدت الحوت فاتبعه. قال: فخرج موسى، ومعه فتاه يوشع بن نون، ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة، فنزلا عندها. قال: فوضع موسى رأسه فنام. قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها: الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال فتحرك، وانسل من المكتل، فدخل البحر فلما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا الآية [الكهف: 62] قال: ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به، قال له فتاه يوشع بن نون: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت الآية [الكهف: 63]. قال: فرجعا يقصان في آثارهما، فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت، فكان لفتاه عجبا، وللحوت سربا، قال: فلما انتهيا إلى الصخرة، إذ هما برجل مسجى بثوب، فسلم عليه موسى قال: وأنى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [الكهف: 70]. قال له الخضر: يا موسى، إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه. قال: بل أتبعك. قال: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا [الكهف: 70]،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 585 ] فانطلقا يمشيان على الساحل، فمرت بهما سفينة، فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول -يقول: بغير أجر- فركبا السفينة. قال: ووقع عصفور على حرف السفينة، فغمس منقاره البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال: فلم يفجأ موسى، إذ عمد الخضر إلى قدوم فخرق السفينة، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية [الكهف: 71] فانطلقا إذا هما بغلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فقطعه. قال له موسى: أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا [الكهف: 75، 74] إلى قوله فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض [الكهف: 77] فقال بيده: هكذا فأقامه، فقال له موسى إنا دخلنا هذه القرية، فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لو شئت لاتخذت عليه أجرا [الكهف: 77]. قال: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا [الكهف: 78]. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "وددنا أن موسى صبر حتى يقص علينا من أمرهما". قال: وكان ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وأما الغلام فكان كافرا.
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح: 8 \ 422]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث الخضر أيضا بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              وضبط (تنقاض) مشددة الضاد ومخففة، ومعناه مخالف لمعنى الأول، فإن معنى ينقض: ينكسر وينهدم ويسقط بسرعة، وينقاض ينقلع من أصله، وقال ابن فارس : انقاضت البيضة انشقت. ومن قرأ ينقاص بالصاد المهملة، قيل: معناه انشق طولا، وقيل: ينشق وينقلع من أصله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 586 ] وقال ابن دريد: انقاص غير معجمة: ولم يبن، وبالمعجمة انكسر وبان، وأراد به ميله. ومثله حديث: "لا تتراءى نارهما" أي: لو وقف إنسان في موضع إحدى النارين لم ير نار الأخرى.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل (الصخرة) عين يقال لها الحياة لا تصيب من مائها شيئا إلا حيي).

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : لا أرى هذا يثبت، وإن كان محفوظا فذلك كله من خلق الله وقدرته إذا أراد إحياء ميت أنشره، قال: وفي دخول الحوت في العين دلالة على أنه حي قبل دخوله فيها، لو كان كما في هذا الحديث فلا يحتاج إلى العين، والله تعالى قادر أن يحييه بلا عين.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقوله: (فلما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا). وهم، إنما قال له بعد أن ساروا يوما وليلة. قال: وكذلك قوله: (وجدناه عند الصخرة). وهم.

                                                                                                                                                                                                                              واعترض ابن التين فقال: قوله: إن الحوت دخلها وهو حي، إنما قال: (وأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك). وتوهيمه الثاني قد سلف في الحديث السالف مثله أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وقراءة ابن عباس : (سفينة صالحة). وافقه عليها عثمان أيضا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية