الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما أتلفته البهائم ليلا ، فعلى ربها ، وإن زاد على قيمتها بقيمته على الرجاء والخوف ، [ ص: 370 ] لا نهارا إن لم يكن معها راع ، وسرحت بعد المزارع ، وإلا : فعلى الراعي .

.

التالي السابق


( وما ) أي الزرع والثمر الذي ( أتلفته البهائم ) المأكولة وغيرها من المزارع والحوائط ( ليلا ) لا نهارا ( فعلى ربها ) أي البهائم ضمانه لتفريطه في منعها إن كان ما أتلفته قدر قيمتها أو أقل منها ، بل ( وإن زاد ) ما أتلفته ( على قيمتها ) عند ابن القاسم وهو المشهور . الباجي مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما ما أصابته الماشية بالنهار فلا ضمان على ربها ، وما أصابته بالليل ضمنه ، وسمع أشهب سواء كان محظرا عليه أم غير محظر . ابن القاسم جميع الأشياء في ذلك سواء . الباجي وهذا في موضع تتداخل فيه الزراع والمراعي . وروى ابن القاسم أن الواجب في ضمانه قيمته وإن كانت أكثر من قيمة الماشية ابن رشد وليس له أن يسلم الماشية في قيمة ما أفسدت بخلاف العبد الجاني لأنه مكلف والماشية ربها هو الجاني .

ويقوم ما أفسدته قبل تمامه ( على الرجاء ) لسلامته من الجائحة حتى يتم ( والخوف ) من إصابتها له قبله . ابن رشد لو أفسدت الزرع وهو صغير ففيه قيمته لو كان يحل بيعه على الرجاء والخوف بأن يقال ما قيمة هذا الزرع لمن يشتريه أن لو جاز بيعه على رجاء تمامه [ ص: 370 ] وخوف عدم تمامه ، ولا شك أن هذا خطر تنقص قيمته بسببه ، وهكذا عبارة أهل المذهب ، وهذا هو الأصل في تقوم ما يرجى تمامه ويخاف ما يطرأ عليه من الزرع والثمار وغيرهما كأم ولد ومدبر ونحوهما ، ففي رسم حلف ليرفعن أمره إلى السلطان مالك " رضي الله عنه " في الزرع تأكله الماشية يقوم على حال ما يرجى من تمامه ويخاف من هلاكه لو كان يحل بيعه . ا هـ . وعليه اقتصر ابن عرفة تبعا لابن الحاجب وابن شاس ، ونصه على أربابها قيمة ما أفسدت على الرجاء والخوف أن يتم أو لا يتم . ابن رشد لا خلاف في وجوب تقويمه إذا أيس من عوده لهيئته ، وأما إن رعى صغيرا ورجا عوده لهيئته فقال مطرف لا يستأني به ، وقال سحنون يستأنى به ، واختلف إن حكم بقيمته ثم عاد لهيئته فقال مطرف مضت القيمة لصاحب الزرع وله زرعه . وقيل ترد كالبصر يعود ، واختلف إن لم يقوم حتى عاد لهيئته ، فقال مطرف تسقط القيمة ويؤدب المفسد . وقال أصبغ لا تسقط ، وظاهر كلام التوضيح أن الراجح قول مطرف في الجميع والله أعلم أفاده البناني .

( لا ) يضمن ربها ما أتلفته ( نهارا إن لم يكن معها ) أي البهائم ( راع و ) إن ( سرحت ) بضم فكسر مثقلا ، أي أطلقت لترعى ( بعد ) بضم الموحدة ، أي في محل بعيد عن ( المزارع وإلا ) أي وإن كان معها راع ( ف ) الضمان ( على الراعي ) إن فرط في منعها عن المزارع . ابن رشد على هذا حمل أهل العلم الحديث ، أي الوارد في { ناقة البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه دخلت حائط رجل فأفسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحوائط بحفظها نهارا وما أفسدته ليلا فعلى أربابها } . الباجي ما جرت عادة الناس بإرسال مواشيهم فيه ليلا ونهارا فأحدث رجل فيه زرعا فلا ضمان فيه على أهل المواشي ليلا ولا نهارا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية