الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت )

قال أبو جعفر : وهذا الخبر من الله - تعالى ذكره - عن نبيه الذي أخبر عنه به دليل على أن الملأ من بني إسرائيل الذين قيل لهم هذا القول لم يقروا ببعثة الله طالوت عليهم ملكا إذ أخبرهم نبيهم بذلك ، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها ، ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به . فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : " والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم " فقالوا له : ما آية ذلك إن كنت من الصادقين ؟ " وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " . وهذه القصة - وإن كانت خبرا من الله - تعالى ذكره - عن الملإ من بني إسرائيل ونبيهم ، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله ، ونبأ عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته ، ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله من [ ص: 316 ] الجهاد في سبيل الله بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه ، وفتح الله على القليل من الفئة ، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه - فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير ، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرهم به ونهاهم عنه مع علمهم بصدقه ، ومعرفتهم بحقيقة نبوته ، بعدما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته ، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي ، مع علمهم بصدقه ، ومعرفتهم بحقية نبوته ، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم ، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم ، ابتداء منهم بذلك نبيهم ، وبعد مراجعة نبيهم شمويل إياهم في ذلك ، وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - على الجهاد في سبيله ، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - عند لقائه العدو ، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه على مثل الذي كان عليه الملأ من بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم طالوت إذ زحف لحرب عدو الله جالوت ، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله ، وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب ، وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله : ( قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) [ سورة البقرة : 249 ] ، وإعلام منه [ ص: 317 ] - تعالى ذكره - عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر .

وأما تأويل قوله : " وقال لهم نبيهم " فإنه يعني : للملأ من بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم : " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " .

وقوله : " إن آية ملكه " : إن علامة ملك طالوت التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي : إن الله بعثه عليكم ملكا ، وإن كان من غير سبط المملكة " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " وهو التابوت الذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم ، وزحفوا معه ، فلا يقوم لهم معه عدو ، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم ، حتى ضيعوا أمر الله ، وكثر اختلافهم على أنبيائهم ، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة ، يرده إليهم في كل ذلك ، حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم ، ولن يرده إليهم آخر الأبد .

ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجيء التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى بني إسرائيل آية لصدق نبيهم شمويل على قوله : " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " وهل كانت بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك طالوت ، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك ، ولكن الله ابتدأهم به ابتداء ؟

فقال بعضهم : بل كان ذلك عندهم من عهد موسى وهارون يتوارثونه ، حتى سلبهم إياه ملوك من أهل الكفر به ، ثم رده الله عليهم آية لملك طالوت . وقال في [ ص: 318 ] سبب رده عليهم ما أنا ذاكره وهو ما : -

5658 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه قال : كان لعيلى الذي ربى شمويل ، ابنان شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه ، كان مسوط القربان الذي كانوا يسوطونه به كلابين فما أخرجا كان للكاهن الذي يسوطه ، فجعله ابناه كلاليب . وكانا إذا جاء النساء يصلين في القدس يتشبثان بهن . فبينا شمويل نائم قبل البيت الذي كان ينام فيه عيلى إذ سمع صوتا يقول : أشمويل ! ! فوثب إلى عيلى فقال : لبيك ! ما لك ! دعوتني ؟ فقال : لا ! ارجع فنم ! فرجع فنام ، ثم سمع صوتا آخر يقول : أشمويل ! ! فوثب إلى عيلى - أيضا - فقال : لبيك ! ما لك ! دعوتني ؟ فقال : لم أفعل ، ارجع فنم ، فإن سمعت شيئا فقل : " لبيك " مكانك " مرني فأفعل " ! فرجع فنام ، فسمع صوتا أيضا يقول : أشمويل ! ! فقال : لبيك أنا هذا ! مرني أفعل ! قال : انطلق إلى عيلى فقل له : " منعه حب الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي وقرباني ، وأن يعصياني ، فلأنزعن منه الكهانة ومن ولده ، ولأهلكنه وإياهما " ! فلما أصبح سأله عيلى فأخبره ، ففزع لذلك فزعا شديدا . فسار إليهم عدو ممن [ ص: 319 ] حولهم ، فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو . فخرجا وأخرجا معهما التابوت الذي كان فيه اللوحان وعصا موسى لينصروا به . فلما تهيئوا للقتال هم وعدوهم ، جعل عيلى يتوقع الخبر ماذا صنعوا ؟ فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه : إن ابنيك قد قتلا وإن الناس قد انهزموا ! قال : فما فعل التابوت ؟ قال : ذهب به العدو ! قال : فشهق ووقع على قفاه من كرسيه فمات . وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت آلهتهم ، ولهم صنم يعبدونه ، فوضعوه تحت الصنم ، والصنم من فوقه ، فأصبح من الغد والصنم تحته وهو فوق الصنم . ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت ، فأصبح من الغد قد تقطعت يدا الصنم ورجلاه ، وأصبح ملقى تحت التابوت . فقال بعضهم لبعض : قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء ، فأخرجوه من بيت آلهتكم ! فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم ، فأخذ أهل تلك الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم ، فقالوا : ما هذا ؟ ! فقالت لهم جارية كانت عندهم من سبي بني إسرائيل : لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت فيكم ! فأخرجوه من قريتكم ! قالوا : كذبت ! قالت : إن آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولاد لم يوضع عليهما نير قط ، ثم تضعوا وراءهم العجل ، ثم تضعوا التابوت على العجل وتسيروهما وتحبسوا أولادهما ، فإنهما تنطلقان به مذعنتين ، حتى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض بني إسرائيل كسرتا نيرهما ، وأقبلتا إلى أولادهما . ففعلوا ذلك ، فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل كسرتا نيرهما ، وأقبلتا إلى أولادهما . ووضعتاه في خربة فيها حصاد من بني إسرائيل ، ففزع إليه [ ص: 320 ] بنو إسرائيل وأقبلوا إليه ، فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات . فقال لهم نبيهم شمويل : اعترضوا ، فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه . فعرضوا عليه الناس ، فلم يقدر أحد يدنو منه إلا رجلان من بني إسرائيل ، أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمهما ، وهي أرملة . فكان في بيت أمهما حتى ملك طالوت ، فصلح أمر بني إسرائيل مع أشمويل .

5659 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه قال : قال شمويل لبني إسرائيل لما قالوا له : أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ؟ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ، وإن آية ملكه - وإن تمليكه من قبل الله - أن يأتيكم التابوت ، فيرد عليكم الذي فيه من السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيكم من العدو ، وتظهرون به عليه . قالوا : فإن جاءنا التابوت فقد رضينا وسلمنا ! وكان العدو الذين أصابوا التابوت أسفل من الجبل جبل إيليا فيما بينهم وبين مصر ، وكانوا أصحاب أوثان ، وكان فيهم جالوت . وكان جالوت رجلا قد أعطي بسطة في الجسم ، وقوة في البطش ، وشدة في الحرب ، مذكورا بذلك في الناس . وكان التابوت حين استبي قد جعل في قرية من قرى فلسطين يقال لها : " أزدود " فكانوا قد جعلوا التابوت في [ ص: 321 ] كنيسة فيها أصنامهم . فلما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان : من وعد بني إسرائيل أن التابوت سيأتيهم - جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكسة على رءوسها ، وبعث الله على أهل تلك القرية فأرا ، تبيت الفأرة الرجل فيصبح ميتا ، قد أكلت ما في جوفه من دبره . قالوا : تعلمون والله لقد أصابكم بلاء ما أصاب أمة من الأمم مثله ، وما نعلمه أصابنا إلا مذ كان هذا التابوت بين أظهرنا ! ! مع أنكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كل غداة منكسة ، شيء لم يكن يصنع بها حتى كان هذا التابوت معها ! فأخرجوه من بين أظهركم . فدعوا بعجلة فحملوا عليها التابوت ، ثم علقوها بثورين ، ثم ضربوا على جنوبهما ، وخرجت الملائكة بالثورين تسوقهما ، فلم يمر التابوت بشيء من الأرض إلا كان قدسا . فلم يرعهم إلا التابوت على عجلة يجرها الثوران ، حتى وقف على بني إسرائيل ، فكبروا وحمدوا الله ، وجدوا في حربهم ، واستوسقوا على طالوت .

5660 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : لما قال لهم نبيهم : إن الله اصطفى طالوت عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم - أبوا أن يسلموا له الرياسة ، حتى قال لهم : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " . فقال لهم : أرأيتم إن جاءكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ! ! [ ص: 322 ] وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها . فنزل فجمع ما بقي فجعله في ذلك التابوت . قال ابن جريج : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه لم يبق من الألواح إلا سدسها . قال : وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت - والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا - فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إلى التابوت ، حتى وضعته عند طالوت . فلما رأوا ذلك قالوا : نعم ! فسلموا له وملكوه . قال : وكان الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين يديهم . ويقولون : إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن . وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية ، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة .

5661 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب ، وقف في ناحية الجبل فقال : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام " . ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته ، يعمرونها ثلاثين سنة تمام المئة . فلما ذهبت المئة ، رد الله إليه روحه ، وقد عمرت ، فهي على حالتها الأولى .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فلما أراد أن يرد عليهم التابوت أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم إما دانيال وإما غيره : إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض ، فأخرجوا عنكم هذا التابوت ! قالوا : بآية ماذا ؟ قال : بآية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم تعملا عملا قط ، فإذا نظرتا [ ص: 323 ] إليه وضعتا أعناقهم للنير حتى يشد عليهما ، ثم يشد التابوت على عجل ، ثم يعلق على البقرتين ، ثم يخليان فيسيران حيث يريد الله أن يبلغهما . ففعلوا ذلك ، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما ، فسارت البقرتان سيرا سريعا ، حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما ، وقطعتا حبالهما ، وذهبتا . فنزل إليهما داود ومن معه ، فلما رأى داود التابوت حجل إليه فرحا به - فقلنا لوهب : ما حجل إليه ؟ قال : شبيه بالرقص - فقالت له امرأته : لقد خففت حتى كاد الناس يمقتونك لما صنعت ! قال : أتبطئيني عن طاعة ربي ! ! لا تكونين لي زوجة بعد هذا . ففارقها .

وقال آخرون : بل التابوت الذي جعله الله آية لملك طالوت كان في البرية ، وكان موسى - صلى الله عليه وسلم - خلفه عند فتاه يوشع ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت . [ ص: 324 ]

ذكر من قال ذلك :

5662 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " الآية . كان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نون وهو بالبرية ، وأقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت فأصبح في داره .

5663 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " الآية ، قال : كان موسى - فيما ذكر لنا - ترك التابوت عند فتاه يوشع بن نون وهو في البرية . فذكر لنا أن الملائكة حملته من البرية حتى وضعته في دار طالوت ، فأصبح التابوت في داره .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن عباس ووهب بن منبه : من أن التابوت كان عند عدو لبني إسرائيل كان سلبهموه . وذلك أن الله - تعالى ذكره - قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من بني إسرائيل : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " و " الألف واللام " لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به . وقد عرفه المخبر والمخبر . فقد علم بذلك أن معنى الكلام : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه ، الذي كنتم تستنصرون به ، فيه سكينة من ربكم . ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره [ ص: 325 ] ومبلغ نفعه قبل ذلك ، لقيل : إن آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم .

فإن ظن ذو غفلة أنهم كانوا قد عرفوا ذلك التابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند موسى ويوشع ، فإن ذلك ما لا يخفى خطؤه . وذلك أنه لم يبلغنا أن موسى لاقى عدوا قط بالتابوت ولا فتاه يوشع ، بل الذي يعرف من أمر موسى وأمر فرعون ما قص الله من شأنهما ، وكذلك أمره وأمر الجبارين . وأما فتاه يوشع ، فإن الذين قالوا هذه المقالة زعموا أن يوشع خلفه في التيه حتى رد عليهم حين ملك طالوت . فإن كان الأمر على ما وصفوه فأي الأحوال للتابوت الحال التي عرفوه فيها ، فجاز أن يقال : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه وعرفتم أمره ؟ وفي فساد هذا القول بالذي ذكرنا أبين الدلالة على صحة القول الآخر ، إذ لا قول في ذلك لأهل التأويل غيرهما .

وكانت صفة التابوت فيما بلغنا كما :

5664 - حدثنا محمد بن عسكر والحسن بن يحيى قالا : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا بكار بن عبد الله قال : سألنا وهب بن منبه عن تابوت موسى : ما كان ؟ قال : كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية