الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصلاة عند التوبة

                                                                                                          406 حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري قال سمعت عليا يقول إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم إلى آخر الآية قال وفي الباب عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس وأبي أمامة ومعاذ وواثلة وأبي اليسر واسمه كعب بن عمرو قال أبو عيسى حديث علي حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عثمان بن المغيرة وروى عنه شعبة وغير واحد فرفعوه مثل حديث أبي عوانة ورواه سفيان الثوري ومسعر فأوقفاه ولم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي عن مسعر هذا الحديث مرفوعا أيضا ولا نعرف لأسماء بن الحكم حديثا مرفوعا إلا هذا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عثمان بن المغيرة ) الثقفي مولاهم الكوفي الأعشى وهو عثمان بن أبي زرعة ثقة من السادسة روى عن زيد بن وهب وأبي عبد الرحمن السلمي وعلي بن ربيعة وعنه مسعر وشعبة والثوري وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي ( عن علي بن ربيعة ) بن نضلة الوالبي بكسر اللام وموحدة الكوفي أبي المغيرة ثقة من كبار الثلاثة ( عن أسماء بن الحكم الفزاري ) الكوفي عن علي فرد حديث وعنه علي بن ربيعة وثقه العجلي ذكره الخزرجي ، وقال الحافظ في التقريب : صدوق من الثالثة ، قال العراقي : ليس له في الكتاب إلا هذا الحديث ولا أعلم روى عنه إلا علي بن ربيعة ، قال البخاري : لم يرو عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فإذا حلف لي صدقته ) ظاهره أنه كان لا يصدقه بلا حلف ، وهذا مخالف لما علم من قبول خبر الواحد العدل بلا حلف فالظاهر أن مراده بذلك زيادة التوثيق بالخبر والاطمئنان به ، إذ الحاصل بخبر الواحد الظن وهو مما يقبل الضعف والشدة ، ومعنى صدقته أي على وجه الكمال ، وإن كان القبول الموجب للعمل حاصلا بدونه ، كذا في شرح أبي الطيب المدني ( وصدق أبو بكر ) أي علمت صدقه في ذلك على وجه الكمال بلا حلف ، وقال ابن حجر : بين بها علي رضي الله عنه جلالة أبي بكر رضي الله عنه ومبالغته في الصدق حتى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا . وقال القاري في المرقاة : وفيه وجه آخر وهو أن الصديق رضي الله عنه كان ملتزما أن لا يروي إلا إذا كان محفوظه بالمبنى دون المروي بالمعنى بخلاف أكثر الصحابة ، ولذا قلت روايته كأبي حنيفة تبعا له في هذه الخصوصية ، فهذا وجه لقوله وصدق أبو بكر ، انتهى كلام القاري .

                                                                                                          [ ص: 368 ] قلت : قال الحافظ في تهذيب التهذيب : قال محمد بن سعد العوفي سمعت ابن معين يقول : كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظ ، انتهى " يقول ما من رجل " أي أو امرأة ومن زائدة لزيادة إفادة الاستغراق " يذنب ذنبا " أي ذنب كان " ، ثم يقوم " قال الطيبي : ثم للتراخي في الرتبة وإلا ظهر أنه للتراخي الزماني يعني ولو تأخر القيام بالتوبة عن مباشرة المعصية ؛ لأن التعقيب ليس بشرط فالإتيان بثم للرجاء ، والمعنى : ثم يستيقظ من نوم الغفلة كقوله تعالى : أن تقوموا لله " فيتطهر " أي فيتوضأ كما في رواية ابن السني " ، ثم يصلي " أي ركعتين كما في رواية ابن السني وابن حبان والبيهقي " ، ثم يستغفر الله " أي لذلك الذنب كما في رواية ابن السني ، والمراد بالاستغفار التوبة بالندامة والإقلاع والعزم على أن لا يعود إليه أبدا ، وأن يتدارك الحقوق إن كانت هناك وثم في الموضعين لمجرد العطف التعقيبي ( ، ثم قرأ ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهادا واعتضادا أو قرأ أبو بكر تصديقا وتوفيقا والذين إذا فعلوا فاحشة أي ذنبا قبيحا كالزنا أو ظلموا أنفسهم أي بما دونه كالقبلة قال الطيبي : أي أي ذنب كان مما يؤاخذون به ، انتهى ، فيكون تعميما بعد تخصيص ذكروا الله أي ذكروا عقابه قاله الطيبي ( إلى آخر الآية ) تمام الآية فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس وأبي أمامة ومعاذ وواثلة وأبي اليسر ) بفتح التحتانية والسين المهملة ( اسمه كعب بن عمرو ) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني ، وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه أيضا الطبراني ، وأما حديث أنس فأخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني ، وأما حديث معاذ وواثلة وأبي اليسر فلم أقف عليه . وفي الباب أيضا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فدعا بلالا فقال : يا بلال ، بم سبقتني إلى الجنة إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي ، فقال : يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين ، رواه ابن خزيمة في صحيحه ، وفي رواية ما أذنبت ، كذا في الترغيب للمنذري ، وعن [ ص: 369 ] الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أذنب عبد ذنبا ثم توضأ فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفره الله له ، رواه البيهقي مرسلا . البراز بكسر الباء بعدها راء ، ثم ألف ، ثم زاي هو الأرض الفضاء كذا في الترغيب للمنذري .

                                                                                                          قوله : ( حديث علي حديث حسن ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي وقالا : ثم يصلي ركعتين ، وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد ، وذكر فيهم الركعتين ، كذا في الترغيب للمنذري .




                                                                                                          الخدمات العلمية