الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8512 ) فصل : فإن كانت الدار في يد ثلاثة ، ادعى أحدهم نصفها ، وادعى الآخر ثلثها ، وادعى الآخر سدسها ، فهذا اتفاق منهم على كيفية ملكهم ، وليس هاهنا اختلاف ولا تجاحد ، فإن ادعى كل واحد منهم أن باقي الدار وديعة ، أو عارية معي ، وكانت لكل واحد منهم بما ادعاه من الملك بينة ، قضي له به ; لأن بينته تشهد له بما ادعاه ، ولا معارض لها ، وإن لم تكن لواحد منهما بينة ، حلف كل واحد منهم ، وأقر في يده ثلثها . ( 8513 ) فصل : فإن ادعى أحدهم جميعها ، وادعى الآخر نصفها ، والآخر ثلثها ، فإن لم تكن لواحد منهم بينة ، قسمت بينهم أثلاثا ، وعلى كل واحد منهم اليمين على ما حكم له به ; لأن يد كل واحد منهم على ثلثها . وإن كانت لأحدهم بينة ، نظرت ; فإن كانت لمدعي الجميع ، فهي له ، وإن كانت لمدعي النصف ، أخذه ، والباقي بين الآخرين نصفين ، لمدعي الكل السدس بغير يمين ، ويحلف على نصف السدس ، ويحلف الآخر على الربع الذي يأخذه جميعه .

                                                                                                                                            فإن كانت البينة لمدعي الثلث ، أخذه ، والباقي بين الآخرين ، لمدعي الكل السدس بغير يمين ، ويحلف على السدس الآخر ، ويحلف الآخر على جميع ما يأخذه . وإن كانت لكل واحد بما يدعيه بينة ، فإن قلنا : تقدم بينة صاحب اليد . قسمت بينهم أثلاثا ; لأن يد كل واحد منهم على الثلث ، وإن قلنا : تقدم بينة الخارج . فينبغي أن تسقط بينة صاحب الثلث ; لأنها داخلة ولمدعي النصف السدس ; لأن بينته خارجة فيه ، ولمدعي الكل خمسة أسداس ; لأن له السدس بغير بينة ; لكونه لا منازع له فيه ، فإن أحدا لا يدعيه ، وله الثلثان ; لكون بينته خارجة عنهما . وقيل : بل لمدعي الثلث السدس ; لأن بينة مدعي الكل ومدعي النصف تعارضتا فيه ، فتساقطتا ، وبقي لمن هو في يده ، ولا شيء لمدعي النصف لعدم ذلك فيه ، وسواء كان لمدعي الثلث بينة ، أو لم تكن . وإن كانت العين في يد غيرهم واعترف أنه لا يملكها ، ولا بينة لهم ، فالنصف لمدعي الكل ; لأنه ليس منهم من يدعيه ، ويقرع بينهم في النصف الباقي ، فإن خرجت القرعة لصاحب الكل ، أو لصاحب النصف ، حلف وأخذه ، وإن خرجت لصاحب الثلث ، حلف وأخذ الثلث ، ثم يقرع بين الآخرين في السدس ، فمن قرع صاحبه ، حلف وأخذه وإن أقام كل واحد منهم بينة بما ادعاه ، فالنصف لمدعي الكل ; لما ذكرنا ، والسدس الزائد ، يتنازعه مدعي الكل ومدعي النصف ، والثلث يدعيه الثلاثة ، وقد تعارضت البينات فيه ، فإن قلنا : تسقط البينات .

                                                                                                                                            أقرعنا [ ص: 250 ] بين المتنازعين فيما تنازعوا فيه ، فمن قرع صاحبه ، حلف وأخذه ، ويكون الحكم فيه كما لو لم تكن لهم بينة . وهذا قول أبي عبيد ، وقول الشافعي إذ كان بالعراق . وعلى الرواية التي تقول : إذا تعارضت البينات ، قسمت العين بين المتداعين . فلمدعي الكل النصف ونصف السدس الزائد عن الثلث وثلث الثلث ، ولمدعي النصف نصف السدس وثلث الثلث ، ولمدعي الثلث ثلثه وهو التسع ، فتخرج المسألة من ستة وثلاثين سهما ; لمدعي الكل النصف ثمانية عشر سهما ، ونصف السدس ثلاثة ، والتسع أربعة ، فذلك خمسة وعشرون سهما ، ولصاحب النصف سبعة ، ولمدعي الثلث أربعة وهو التسع . وهذا قياس قول قتادة ، والحارث العكلي ، وابن شبرمة ، وحماد ، وأبي حنيفة . وهو قول للشافعي وقال أبو ثور : يأخذ مدعي الكل النصف ، ويوقف الباقي حتى يتبين . ويروى هذا عن مالك . وهو قول للشافعي .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي ليلى وقوم من أهل العراق : تقسم العين بينهم على حسب عول الفرائض ، لصاحب الكل ستة ، ولصاحب النصف ثلاثة ، ولصاحب الثلث سهمان ، فتصح من أحد عشر سهما . وسئل سهل بن عبد الله بن أبي أوس عن ثلاثة ادعوا كيسا وهو بأيديهم ، ولا بينة لهم ، وحلف كل واحد منهم على ما ادعاه ; ادعى أحدهم جميعه ، وادعى آخر ثلثيه ، وادعى آخر نصفه ؟ فأجاب فيهم بشعر : يقول

                                                                                                                                            نظرت أبا يعقوب في الحسب التي طرت فأقامت منهم كل قاعد     فللمدعي الثلثين ثلث وللذي
                                                                                                                                            استلاط جميع المال عند التحاشد     من المال نصف غير ما سينوبه
                                                                                                                                            وحصته من نصف ذا المال زائد     وللمدعي نصفا من المال ربعه
                                                                                                                                            ويؤخذ نصف السدس من كل واحد

                                                                                                                                            وهذا قول من قسم المال بينهم على حسب العول ، فكأن المسألة عالت من ستة إلى ثلاثة عشر ; وذلك أنه أخذ مخرج الكسور ، وهي ستة فجعلها لمدعي الكل ، وثلثاها أربعة لمدعي الثلثين ، ونصفها ثلاثة ، لمدعي النصف ، صارت ثلاثة عشر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية