الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1694 363 - حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا هشام قال: أخبرني أبي قال: أخبرتني عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة، فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحجة، وكنت ممن أهل بعمرة فحضت قبل أن أدخل مكة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج، ففعلت، فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم، فأردفها فأهلت بعمرة مكان عمرتها، فقضى الله حجها وعمرتها، ولم يكن في شيء من ذلك هدي، ولا صدقة، ولا صوم.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 123 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 123 ] مطابقته للترجمة في قوله: " فأهلت بعمرة.." إلى آخر الحديث.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث قد أخرجه في مواضع خصوصا بعين هذا المتن في كتاب الحيض، في باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض، عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه أيضا في الباب الذي قبله، وهو باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض، عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة، وفي باب: كيف تهل الحائض بالحج والعمرة، عن يحيى بن بكير عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وأخرجه أيضا في كتاب الحج في باب: إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، عن أبي النعمان، عن أبي عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، وأخرجه أيضا في باب العمرة ليلة الحصبة عن محمد بن سلام، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه أيضا في باب عمرة القضاء عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب، عن حبيب المعلم، عن عطاء، عن جابر، وفيه قصة عائشة، وأخرجه عن محمد بن المثنى، عن يحيى القطان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة، وقد مر الكلام في هذه الطرق كلها مستوفى، ولنذكر بعض شيء من ذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " موافين لهلال ذي الحجة" ؛ أي: قرب طلوعه، وقد مضى أنها قالت: " خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة"، والخمس قريبة من آخر الشهر، فوافاهم الهلال وهم في الطريق؛ لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لأهللت بعمرة" ، وفي رواية السرخسي: " لأحللت" بالحاء المهملة؛ أي: بحج. قوله: " فأردفها" فيه التفات؛ لأن الأصل أن يقال: فأردفني.

                                                                                                                                                                                  قوله: " مكان عمرتها" يعني مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة عن الحج. قوله: " فقضى الله حجتها وعمرتها.." إلى آخره. قيل: الظاهر أن ذلك من قول عائشة، لكن صرح في كتاب الحيض في باب نقض المرأة شعرها في آخر هذا الحديث، قال هشام: ولم يكن في شيء من ذلك هدي، ولا صوم، ولا صدقة. وقال ابن بطال: قوله: " فقضى الله حجها.." إلى آخره، ليس من قول عائشة، وإنما هو من كلام هشام بن عروة، حدث به هكذا في العراق، وقال صاحب التوضيح: ولم يذكر ذلك أحد غيره، ولا يقوله الفقهاء، واستدل بعضهم بهذا أن عائشة لم تكن قارنة؛ إذ لو كانت قارنة لوجب عليها الهدي للقران، وأجيب بأن هذا الكلام مدرج من قول هشام، كأنه نفى ذلك بحسب علمه، ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر، وقال ابن خزيمة: معنى قوله: " لم يكن في شيء من ذلك هدي"؛ أي: في تركها لعمل العمرة الأولى، وإدراجها لها في الحج، ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضا. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لأن عمرتها بعد انقضاء الحج، ولا خلاف بين العلماء أن من اعتمر بعد انقضاء الحج، وخروج أيام التشريق أنه لا هدي عليه في عمرته؛ لأنه ليس بمتمتع، وإنما المتمتع من اعتمر في أشهر الحج، وطاف للعمرة قبل الوقوف، وأما من اعتمر بعد يوم النحر فقد وقعت عمرته في غير أشهر الحج؛ فلذلك ارتفع حكم الهدي عنها.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): الصحيح من قول مالك أن أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، ومع هذا لم يكن عليها هدي في حجها؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): لأنها كانت مفردة على ما روى عنها القاسم وعروة، ولم يأخذ بذلك مالك بل كانت عنده قارنة، ولزمها لذلك هدي القران، ولم يأخذ أبو حنيفة أيضا بذلك؛ لأنها كانت عنده رافضة لعمرتها، والرافضة عنده عليها دم للرفض، وعليها عمرة، والله المتعال أعلم بحقيقة الحال.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية