الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل الاعتصام : الأخذ والتمسك بما يعصم ويحفظ ، مأخوذ من العصام ، وهو : الحبل الذي تشد به القربة والإداوة لتحمل به ، والأعصم : الوعل يعتصم في شعاف الجبال وقننها ، فالذين يعتصمون بهذا القرآن يدخلهم الله - تعالى - في رحمة خاصة منه لا يدخل فيها سواهم ، وفضل خاص لا يتفضل به على غيرهم ، ويدل على هذا التخصيص تنكير الفضل والرحمة ، ورحمة الله وفضله غير محصورين ، ولكنه يختص من يشاء بما شاء من أنواعهما ، وقد فسرت الرحمة هنا بالجنة ، والفضل بما يزيد الله به أهلها على ما يستحقون من الجزاء ، كما قال في آية أخرى تقدمت : ويزيدهم من فضله ويمكن أن يفسرا بما هو أعم من نعيم الآخرة جزاء وزيادة ، فيشملا ما يكون لأهل الاعتصام بالقرآن الذي هو حبل الله المتين من الخصوصية في الدنيا ، إذ يكونون رحمة للناس بعلومهم وأعمالهم وفضائلهم ، واجتماعهم وتعاونهم وتراحمهم ، يرحم الناس بالاقتداء بهم والاقتباس منهم ، ومن ذلك أنهم يكونون رحماء بالناس ، تحملهم رحمتهم على [ ص: 85 ] السعي لخير الناس ، وبذل فضلهم من علم وعمل ومال لهم ، فيكونون أئمة للناس برحمتهم وفضلهم .

                          ويهديهم إليه صراطا مستقيما أي : ويهديهم - تعالى - هداية خاصة موصلة إليه صراطا مستقيما أي طريقا قويما قريبا يبلغون به الغاية من العمل بالقرآن ، أما في الدنيا فبالسيادة والعزة والكمال ، وأما في الآخرة فبالجنة والرضوان ، فهذا الصراط المستقيم ، لا يهتدى إليه إلا بالاعتصام بالقرآن الكريم ، فيا خسارة المعرضين ، ويا طوبى للمعتصمين ، وقد صدق وعد الله للصادقين ، ففاز من اعتصم من الأولين ، وخاب وخسر من أعرض من الآخرين ، فعسى أن يعتبر بذلك المنتمون في هذا العصر إلى هذا الدين .

                          وقد سكت عن القسم الآخر المقابل لهؤلاء المؤمنين المعتصمين ؛ للعلم به من المقابلة وللإيذان وتألق نور البيان ، فلا ينبغي أن يوجد ، وإن وجد لا يؤبه له لأنه كالعدم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية