الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن كان البكر نضو الخلق إن ضرب بالسوط تلف ، ضرب بإثكال النخل اتباعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مثله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما إذا كان حد النضو الرجم ، فإنه يرجم لوقته : لأنه لا يرجى زواله وهو في وجوب الرجم كميته . وإن كان حده الجلد ، وهو نضو الخلق ضعيف التركيب ، وإن كان سليم الخلقة ، فحدث به مرض لا يرجى زواله فأنهكه حتى صار بمنزلة إن ناله ألم الضرب أتلفه ، فهو والمخلوق كذلك سواء في الجلد إذا زنيا . واختلف الفقهاء في حكم جلدهما على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب الشافعي : أنه يعدل عن جلده بالسوط إلى إثكال النخل ، فيجمع منها مائة شمراخ يضرب بها ضربة واحدة ، ولا يعتبر في جلده السوط ولا العدد . [ ص: 216 ] والثاني : وهو مذهب مالك : أنه يعتبر في جلده السوط والعدد كغيره .

                                                                                                                                            والثالث : وهو مذهب أبي حنيفة : أنه يعتبر فيه السوط ولا يعتبر فيه العدد ، فيجمع مائة سوط ويضرب بها دفعة واحدة .

                                                                                                                                            واستدل من جعله كغيره بعموم قول الله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله [ النور : 2 ] .

                                                                                                                                            ودليلنا : رواية أبي أمامة أن مقعدا أسود في جوار سعد بن معاذ زنا فأحبل ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلد بأثكال النخل .

                                                                                                                                            وروي أن رجلا من الأنصار اشتكى حتى ضني وعاد جلده على عظمه ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم ، وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له .

                                                                                                                                            وقالوا يا رسول الله : ما رأينا أحدا من الناس به من الضر مثل ما به ، ما هو إلا جلد وعظم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة
                                                                                                                                            .

                                                                                                                                            وهذا نص في هذا الباب ، وبمثل هذا أمر الله تعالى نبيه أيوب عليه السلام وقد حلف ليضربن زوجته مائة ، فقال : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث [ ص : 44 ]

                                                                                                                                            حكى الشافعي مناظرة جرت بينه وبين من خالفه فيه ، فقال : قال لي بعضهم : لا أعرف الحد إلا واحدا ، وإن كان مضنوءا من خلقته .

                                                                                                                                            قلت له : أترى الحد أكبر أو الصلاة ؟

                                                                                                                                            فقال : الصلاة . قال : كل فرض قد نأمره في الصلاة أن يصلي قائما ، فإن لم يستطع فجالسا ، فإن لم يستطع فعلى جنبه .

                                                                                                                                            فقال : هذا اتباع سنة ، وموضع ضرورة . قلت : فكذلك الجلد اتباع سنة وموضع ضرورة . قال : فقد يتلف الصحيح المحتمل للضرب ، ويعيش النضو الضعيف .

                                                                                                                                            قلت : إنما إلينا الظاهر ، والأرواح بيد الله سبحانه .

                                                                                                                                            وهذا دليل واضح وجواب مقنع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية