الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8530 ) فصل : فإن شهد عدلان أجنبيان ، أنه وصى بعتق سالم ، وشهد عدلان وارثان ، أنه رجع عن الوصية بعتق سالم ، ووصى بعتق غانم ، وقيمتهما سواء ، أو كانت قيمة غانم أكثر ، قبلت شهادتهما ، وبطلت وصية سالم ، لأنهما لا يجران إلى أنفسهما نفعا ولا يدفعان عنها ضررا . فإن قيل : فهما يثبتان لأنفسهما ولاء غانم . قلنا : وهما يسقطان ولاء سالم ، وعلى أن الولاء إثبات سبب الميراث ، وهذا لا يمنع قبول الشهادة ، بدليل ما لو شهدا بعتق غانم من غير معارض ، ثبت عتقه ، ولهما ولاؤه ، ولو شهدا بثبوت نسب أخ لهما ، قبلت شهادتهما ، مع ثبوت سبب الإرث لهما ، وتقبل شهادة المرأة لأخيه بالمال ، وإن جاز أن يرثه ، فإن كان الوارثان فاسقين ، لم تقبل شهادتهما في الرجوع ، ويلزمهما إقرارهما لغانم ، فيعتق سالم بالبينة العادلة ، ويعتق غانم بإقرار الورثة بالوصية بإعتاقه وحده . [ ص: 259 ]

                                                                                                                                            وذكر القاضي ، وأصحاب الشافعي ، أنه إنما يعتق . ثلثاه ; لأنه لما عتق سالم بشهادة الأجنبيين ، صار كالمغصوب ، فصار غانم نصف التركة ، فيعتق ثلثاه ، وهو ثلث التركة . ولنا ، أن الوارثة تقر بأنه حين الموت ثلث التركة ، وأن عتق سالم إنما كان بشهادتهما بعد الموت ، فصار كالمغصوب بعد الموت ، ولو غصب بعد الموت ، لم يمنع ، عتق غانم كله ، فكذلك الشهادة بعتقه . وقد ذكر القاضي ، فيما إذا شهدت بينة عادلة بإعتاق سالم في مرضه ، ووارثة فاسقة بإعتاق غانم في مرضه ، وأنه لم يعتق سالما ، أن غانما يعتق كله . وهذا مثله .

                                                                                                                                            فأما إن كانت قيمة غانم أقل من قيمة سالم ، فالوارثة متهمة ; لكونها ترد إلى الرق من كثرت قيمته ، فترد شهادتها في الرجوع ، كما ترد شهادتها بالرجوع عن الوصية ، ويعتق سالم ، وغانم كله أو ثلثاه وهو ثلث الباقي ، على ما ذكرنا من الاختلاف فيما إذا كانت فاسقة . فإن لم تشهد الوارثة بالرجوع عن عتق سالم ، لكن شهدت بالوصية بعتق غانم وهي بينة عادلة ، ثبتت الوصيتان ، سواء كانت قيمتها سواء أو مختلفة فيعتقان إن لم يخرجا من الثلث ، وإن خرجا من الثلث ، أقرع بينهما ، فيعتق من خرجت له القرعة ، ويعتق تمام الثلث من الآخر ، سواء تقدمت إحدى الوصيتين على الأخرى أو استوتا ; لأن المتقدم والمتأخر من الوصايا سواء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية