الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت ، فلها نصف ما ترك هلك : مات ، ولا يستعمل منذ قرون إلا في مقام التحقير ، وقد استعمله القرآن في غير هذا المكان بمعنى الموت مطلقا ، بقوله عن يوسف عليه السلام حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ( 40 : 34 ) و ليس له ولد صفة ( امرؤ ) أو حال من الضمير في ( هلك ) والمعنى : إن هلك امرؤ عادم للولد ، أو غير ذي ولد ، والحال أن له أختا من أبويه معا أو من أبيه فقط ، فلها نصف ما ترك .

                          والنكتة في الاكتفاء بنفي الولد وعدم اشتراط نفي الوالد ، تظهر بوجوه : ( 1 ) أنه داخل في مفهوم الكلالة لغة .

                          ( 2 ) أن الأكثر أن الإنسان يموت عن تركة ، بعد موت والديه ; لأن المال [ ص: 90 ] الذي يتركه إما أن يكون ورثه منهما ، وإما أن يكون اكتسبه ، وإنما يكون الكسب في سن الشباب والكهولة ويقل في هذه الحال بقاء الوالدين ، فلم يراع في الذكر إيجازا ( 3 ) وهو العمدة أن عدم إرث الإخوة والأخوات مع الوالد الذي يدلون به قد علم من آيات الفرائض التي أنزلت أولا وتقدمت في أوائل السورة ، ومضت السنة في بيانها والعمل بها على ذلك ، وعلم أيضا من القاعدة القياسية المأخوذة من تلك الآيات ، ومن هذه الآية ، وهي كون الأصل في الإرث أن يكون للذكر من كل صنف مثل حظ الأنثيين ، ومن قاعدة حجب الوالد لأولاده ، قال - تعالى - في الآيات الأولى : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ( 4 : 11 ) ; أي : والباقي - وهو الثلثان - لأبيه عملا بالقاعدة فإن كان له إخوة فلأمه السدس ( 4 : 11 ) لأن أولادها يحجبونها حجب نقصان ; فيكون ثلثها سدسا ، والسدس الآخر يكون لهم عند ابن عباس ، وأما الجمهور فيقولون : إن الباقي كله للأب ; لأن الآية بينت أن وجودهما ينقص فرضها ، ولم تفرض لهم شيئا ، وعلى كل قول ليس لهم فرض مع وجود الأب الذي يحجبهم حجب حرمان ; لأنهم لا يصلون إلى أخيهم إلا به ، وما يتركه من هذا المال وغيره يعود إليهم ; فلهذه الوجوه لم يكن لاشتراط عدم الأب فائدة فترك إيجازا ; للعلم به من لفظ الكلالة ومن الآيات السابقة والقواعد الثابتة ، وكذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - المبني على ما ذكر ، والمبين له ، وهو ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس : ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر ، وليس الاستغناء عن نفي الوالد هنا مع إرادته ، إلا مثل الاستغناء عن اشتراط أن يكون هذا الفرض من بعد وصية يوصى بها أو دين ، كل منهما علم مما قبله ، فاستغني عن إعادة ذكره ، بل الاستغناء عن ذكر نفي الوالد أقوى لما ذكرناه من العلم به من اللفظ ، وكون الغالب أنه لا يوجد ، وكونه إن وجد يكون حجبه لأولاده معلوما قطعيا ; لأنه منصوص ومقيس ، وإنما أطلت في هذه المسألة وكررت بعض المعاني ; لاضطراب المتقدمين والمتأخرين في الكلالة ، وعدم الاطلاع على بيان تام في التوفيق بين ما جرى عليه جمهور الصحابة واتفق عليه المتأخرون ، وبين عبارة القرآن المجيد ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

                          وقد اختلفوا في الولد هنا هل هو على إطلاقه فيشمل البنت ، أو هو خاص بالابن ، كما يطلق أحيانا ، وسبب الخلاف أن الأخت لا ترث شيئا مع وجود الابن بالإجماع ، وأما مع وجود البنت فترث ، ومن قال : إن الولد يشمل الذكر والأنثى هنا لم ير إرث الأخت مع وجود البنت مانعا من اشتراط عدم وجود البنت ، لإرثها النصف فرضا ; لأن الفرض الثابت لها هنا - وهو النصف - يشترط فيه عدم وجود البنت ، فإنها إذا وجدت تجعلها عصبة ترث ما بقي بعد أخذ كل ذي فرض حقه من التركة ، وقد يكون هذا الباقي النصف ، وقد يكون أقل من النصف ، فإذا لم يكن ثم وارث إلا البنت والأخت كان النصف للبنت فرضا ، والباقي وهو [ ص: 91 ] النصف للأخت تعصيبا لا فرضا ، فلا ينافي الآية ; لأنه إذا كان مع البنت زوجة فإنها تأخذ الثمن ، فيكون ما بقي للأخت أقل من النصف ، ولو كانت ترث النصف فرضا مع وجود البنت ، ووجد مع البنت زوجة للميت لعالت المسألة ، وكان النقص من السهام لاحقا بكل الأنصباء فلا تقل سهام الأخت عن سهام البنت ، فعلم من هذا أن الولد المنفي هنا يشمل الذكر والأنثى ، ولا إشكال فيه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية