الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1702 371 - (حدثنا أحمد بن عيسى قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرنا عمرو عن أبي الأسود أن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر قال: حدثه أنه كان يسمع أسماء تقول كلما مرت بالحجون: صلى الله على محمد لقد نزلنا معه هاهنا، ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (فلما مسحنا البيت أحللنا)؛ لأن معناه: لما طفنا بالبيت أحللنا؛ أي: صرنا حلالا، والطواف ملزوم للمسح عرفا. فإن قلت: المعتمر إنما يحل بعد الطواف وبعد السعي بين الصفا والمروة والحلق أيضا، فكيف يكون هذا؟ قلت: حذف ذلك منه للعلم به كما يقال: لما زنى فلان رجم، والتقدير: لما أحصن وزنى رجم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله)، وهم ستة؛ الأول: أحمد بن عيسى، كذا وقع في رواية كريمة: أحمد بن عيسى، منسوبا، وهو أحمد بن عيسى بن حسان، أبو عبد الله التستري، مصري الأصل، كان يتجر إلى تستر، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، قال ابن قانع: مات بسر من رأى، تكلم فيه يحيى بن معين، وروى عنه مسلم أيضا، وفي رواية الأكثرين: حدثنا أحمد، غير منسوب، يحدث عنه البخاري في غير موضع كذا من غير نسبة، واختلفوا فيه فقال قوم: إنه أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي عبد الله بن وهب، وقال آخرون: إنه أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى، وقال أبو أحمد الحافظ النيسابوري: أحمد بن وهب هو ابن أخي ابن وهب، وقال أبو عبد الله ابن منده: كل ما قال البخاري في الجامع: حدثنا أحمد عن ابن وهب هو أحمد بن صالح المصري، ولم يخرج البخاري عن أحمد بن عبد الرحمن في الصحيح شيئا، وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه، ووقع في رواية أبي ذر: حدثنا أحمد بن صالح، وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عيسى، عن ابن وهب.

                                                                                                                                                                                  الثاني: عبد الله بن وهب. الثالث: عمرو، بفتح العين، ابن الحارث. الرابع: أبو الأسود، هو محمد بن عبد الرحمن المشهور بيتيم عروة بن الزبير. الخامس: عبد الله بن كيسان أبو عمرو مولى أسماء بنت أبي بكر. السادس: أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضع، وفيه السماع، وفيه القول في موضع، وفيه أن رجال هذا الإسناد نصفهم مصريون ونصفهم مدنيون، وفيه أن عبد الله المذكور ليس له عند البخاري غير حديثين؛ أحدهما هذا، والآخر مضى في باب من قدم ضعفة أهله، فافهم.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى كلاهما عن ابن وهب.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: (بالحجون) بفتح الحاء المهملة وضم الجيم المخففة وفي آخره نون، قال البكري: الحجون على وزن فعول: موضع بمكة عند المحصب، وهو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي على شعب الجزارين إلى ما بين [ ص: 131 ] الحوضين اللذين في حائط عوف، وعلى الحجون سقيفة زياد بن عبد الله أحد بني الحارث بن كعب، وكان على مكة، ويقال: الحجون: مقبرة أهل مكة تجاه دار أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو على ميل ونصف من مكة، وأغرب السهيلي فقال: الحجون على فرسخ وثلث من مكة، وهو غلط ظاهر، والصحيح ما ذكرناه، وعند المقبرة المعروفة بالمعلاة على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها، وروى الواقدي عن أشياخه أن قصي بن كلاب لما مات دفن بالحجون فتدافن الناس بعده به. قوله: (صلى الله على محمد) مقول قوله: (تقول كلما مرت)، وفي رواية مسلم: " كلما مرت بالحجون تقول: صلى الله تعالى على رسوله وسلم". قوله: (خفاف) بكسر الخاء جمع خفيف، وزاد مسلم في رواية: " خفاف الحقائب"، وهو جمع حقيبة، بفتح الحاء المهملة وبالقاف والباء الموحدة، وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف؛ قوله: (قليل ظهرنا)؛ أي: مراكبنا. قوله: (فاعتمرت أنا وأختي)؛ أي: بعد أن فسخوا الحج إلى العمرة. قوله: (والزبير)؛ أي: الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: روى مسلم من حديث صفية بنت شيبة: " عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل، فلم يكن معي هدي فحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحل.." الحديث، فهذا يخالف رواية عبد الله مولى أسماء؛ لأنه ذكر الزبير مع من أحل.

                                                                                                                                                                                  قلت: أجاب النووي بأن إحرام الزبير بالعمرة وتحلله منها كان في غير حجة الوداع، واستبعده بعضهم، وقال: المرجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء؛ فلذلك اقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة. قلت: هذا مسلم قد أخرج كليهما مع ما فيهما من الاختلاف ولا وجه في الجمع بينهما إلا بما قاله النووي.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: فيه إشكال آخر، وهو أن أسماء ذكرت عائشة فيمن طاف، والحال أنها كانت حينئذ حائضا. قلت: قيل: يحتمل أنها أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلتها بعد الحج مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم، قال القاضي: هذا خطأ؛ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع، قيل: لا وجه في ذلك إلا أن يقال: إنما لم تستثن أسماء عائشة لشهرة قصتها، وفيه بعد أيضا، نعم إنما هذا يتأتى إذا قلنا: كانت عائشة طاهرة حين ذكرت أسماء إياها، وعطفتها على نفسها في قولها: " اعتمرت أنا وأختي عائشة ثم طرأ عليها الحيض"، ثم إنها لم تستثنها في قولها: (فلما مسحنا البيت)؛ لشهرتها أنها كانت حائضا في ذلك الوقت أو نسيت أن تستثنيها، فافهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وفلان وفلان) كأنها سمت جماعة عرفتهم ممن لم يسق الهدي، ولم توقف على تعيينهم. قوله: (فلما مسحنا البيت)؛ أي: طفنا بالبيت، وقد ذكرنا أن من لازم الطواف المسح عادة، فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم، وقد ذكرنا وجه طي ذكر السعي عن قريب. فإن قلت: لم تذكر أسماء الحلق مع أنه نسك. قلت: لا يلزم من عدم ذكرها إياه ترك فعله، فإن القصة واحدة، وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث، والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية