الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة

                                                                                                                2494 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحق بن إبراهيم وابن أبي عمر واللفظ لعمرو قال إسحق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد أخبرني عبيد الله بن أبي رافع وهو كاتب علي قال سمعت عليا رضي الله عنه وهو يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش قال سفيان كان حليفا لهم ولم يكن من أنفسها أكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية وجعلها إسحق في روايته من تلاوة سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي حدثنا خالد يعني ابن عبد الله كلهم عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وكلنا فارس فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين فذكر بمعنى حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( روضة خاخ ) هي بخاءين معجمتين . هذا هو الصواب الذي قاله العلماء كافة في جميع الطوائف ، وفي جميع الروايات والكتب . ووقع في البخاري من رواية أبي عوانة : ( وحاج ) بحاء مهملة والجيم ، واتفق العلماء على أنه من غلط أبي عوانة ، وإنما اشتبه عليه بذات حاج بالمهملة والجيم ، وهي موضع بين المدينة والشام على طريق الحجيج . وأما ( روضة خاخ ) فبين مكة والمدينة بقرب المدينة . قال صاحب المطالع : وقال الصائدي : هي بقرب مكة ، والصواب الأول .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم ( فإن بها ظعينة معها كتاب ) الظعينة هنا الجارية ، وأصلها الهودج ، وسميت بها الجارية ; لأنها تكون فيه . واسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي . وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلا أو امرأة ، وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ، ولا يفوت به مصلحة ، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر . وفيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك ، وهذا الجنس كبيرة قطعا لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كبيرة بلا شك بقوله تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله الآية وفيه أنه لا يحد العاصي ، ولا يعزر إلا بإذن الإمام . وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب . ومذهب الشافعي وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ، ولا يجوز [ ص: 46 ] قتله . وقال بعض المالكية : يقتل إلا أن يتوب . وبعضهم يقتل وإن تاب . وقال مالك : يجتهد فيه الإمام .

                                                                                                                قوله : ( تعادى بنا خيلنا ) هو بفتح التاء أي تجري .

                                                                                                                قوله : ( فأخرجته من عقاصها ) هو بكسر العين أي شعرها المضفور ، وهو جمع عقيصة .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم ) قال العلماء : معناه الغفران لهم في الآخرة ، وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا . ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد ، وأقامه عمر على بعضهم . قال : وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا الحد وكان بدريا .

                                                                                                                [ ص: 47 ] قوله : ( عن علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام ) ، وفي الرواية السابقة : ( المقداد ) بدل ( أبي مرثد ) . ولا منافاة ، بل بعث الأربعة عليا والزبير والمقداد وأبا مرثد .



                                                                                                                الخدمات العلمية