الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

3711 - عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتدرون من السابقون إلى ظل الله عز وجل يوم القيامة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم .

التالي السابق


الفصل الثالث

3711 - ( عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ) ; أي تعلمون ( من السابقون ) من استفهامية ، علقت عمل الدراية وسدت بما بعده مسد مفعوليه ، ذكره الطيبي ; أي المسارعون ( إلى ظل الله ) ; أي ظل عرشه ، أو تحت حمايته ( عز ) ; أي ذاته ( وجل ) ; أي صفاته ( يوم القيامة ) ظرف للسبق ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : الذين إذا أعطوا الحق ) بصيغة المجهول ; أي إذا أعطي لهم حقهم ، أو قيل لهم كلمة الحق ( قبلوه ) ; أي أخذوه ، أو انقادوه ( وإذا سئلوه ) ، وفي نسخة بحذف الضمير ، ( بذلوه ) وفي نسخة بحذف الضمير فيهما ; أي وإذا سئلوا عن كلمة الحق ; أجابوه ولم يكتموه ، ولم يخافوا فيه لومة لائم ، أو إذا طالبهم أحد حقه بذلوه بالإعطاء على وجه الإيفاء ، ( وحكموا للناس ) ; أي للأجانب ولو كان حقيرا ( كحكمهم لأنفسهم ) ; أي لذواتهم وقراباتهم ، كما قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا وقد سبق في الحديث : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) قال الراغب : أصل الحق المطابقة والموافقة لمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامة ، والحق يقال على أوجه : لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ولهذا قيل في الله تعالى : هو الحق ولما يوجد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال : فعل الله كله حق ، وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه ، وللفعل وللقول الواقع بحسب ما يجب ، وقدر ما يجب ، وفي الوقت الذي يجب ، كقولنا : فعلك حق ، وقولك حق ، قال تعالى : وكذلك حقت كلمة ربك ويقال : أحققت كذا ; أي أثبته حقا ، أو حكمت بكونه حقا ، قال الطيبي : يمكن أن ينزل هذا الحديث على أكثر هذه المعاني ; أحدها : على الفعل الحق ، والقول الحق ، والمراد بالسابقون ; العادلون من الأئمة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل " يعني ; إذا نصحهم ناصح وأظهر كلمة الحق العادل قبلوها ، وفعلوا مقتضاها من البذل للرعية ، ومن الحكم بالسوية ، وثانيها : على الواجب للإنسان من العطيات ; يعني إذا ثبت له حق ثابت ، إذا أعطي قبل ، ثم بذل للمستحقين لينال درجة الأسخياء والأصفياء الذين ينفقون أموالهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عليه : خذه فتموله ، وتصدق به . الحديث . وثالثهما : على ما يوجد بحسب مقتضى الحكمة ، وعليه قوله عليه الصلاة والسلام : كلمة الحق ضالة الحكيم ، فحيث وجدها فهو أحق بها ; لأنه يعلمها ويعمل بها ويعلمها غيره ، فعلمه بها هو القبول ، وتعليم الغير هو البذل ، والعمل بها هو الحكم ، ولعمري إن هذا الحديث من الكلمات التي هي ضالة كل حكيم ; فالمراد بالسابقين على الوجهين الأخيرين ; هم السابقون السابقون أولئك المقربون .




الخدمات العلمية