الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أم بأجرة قهستاني زاد ابن ملك : ومخالف كشافعي ؟ [ ص: 563 ] لكن في وتر البحر إن تيقن المراعاة لم يكره ، أو عدمها لم يصح ، وإن شك كره

التالي السابق


( قوله ومن أم بأجرة ) بأن استؤجر ليصلي إماما سنة أو شهرا بكذا ، وليس منه ما شرطه الواقف عليه فإنه صدقة ومعونة له رحمتي : أي يشبه الصدقة ، ويشبه الأجرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوقف .

على أن المفتى به مذهب المتأخرين من جواز الاستئجار على تعليم القرآن والإمامة والأذان للضرورة ; بخلاف [ ص: 563 ] الاستئجار على التلاوة المجردة وبقية الطاعات مما لا ضرورة إليه فإنه لا يجوز أصلا كما سنحققه في كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى فافهم ( قوله لكن في وتر البحر إلخ ) هذا هو المعتمد ، لأن المحققين جنحوا إليه ، وقواعد المذهب شاهدة عليه . وقال كثير من المشايخ : إن كان عادته مراعاة مواضع الخلاف جاز وإلا فلا ، ذكره السندي المتقدم ذكره ح .

قلت : وهذا بناء على أن العبرة لرأي المقتدي وهو الأصح ، وقيل لرأي الإمام وعليه جماعة . قال في النهاية : وهو أقيس وعليه فيصح الاقتداء وإن كان لا يحتاط كما يأتي في الوتر ( قوله إن تيقن المراعاة لم يكره إلخ ) أي المراعاة في الفرائض من شروط وأركان في تلك الصلاة وإن لم يراع الواجبات والسنن كما هو ظاهر سياق كلام البحر . مطلب في الاقتداء بشافعي ونحوه هل يكره أم لا ؟

وظاهر كلام شرح المنية أيضا حيث قال : وأما الاقتداء بالمخالف في الفروع كالشافعي فيجوز ما لم يعلم منه ما يفسد الصلاة على اعتقاد المقتدي عليه الإجماع ، إنما اختلف في الكراهة . ا هـ فقيد بالمفسد دون غيره كما ترى . وفي رسالة [ الاهتداء في الاقتداء ] لمنلا علي القارئ : ذهب عامة مشايخنا إلى الجواز إذا كان يحتاط في موضع الخلاف وإلا فلا .

والمعنى أنه يجوز في المراعي بلا كراهة وفي غيره معها . ثم المواضع المهملة للمراعاة أن يتوضأ من الفصد والحجامة والقيء والرعاف ونحو ذلك ، لا فيما هو سنة عنده مكروه عندنا ; كرفع اليدين في الانتقالات ، وجهر البسملة وإخفائها ، فهذا وأمثاله لا يمكن فيه الخروج عن عهدة الخلاف ، فكلهم يتبع مذهبه ولا يمنع مشربه ا هـ .

وفي حاشية الأشباه للخير الرملي : الذي يميل إليه خاطري القول بعدم الكراهة ، إذا لم يتحقق منه مفسد . ا هـ .

وبحث المحشي أنه إن علم أنه راعى في الفروض والواجبات والسنن فلا كراهة ، وإن علم تركها في الثلاثة لم يصح ، وإن لم يدر شيئا كره لأن بعض ما يجب تركه عندنا يسن فعله عنده فالظاهر أن يفعله ، وإن علم تركها في الأخيرين فقط ينبغي أن يكره لأنه إذا كره عند احتمال ترك الواجب فعند تحققه بالأولى ، وإن علم تركها في الثالث فقط ينبغي أن يقتدي به لأن الجماعة واجبة فتقدم على تركه كراهة التنزيه ا هـ وسبقه إلى نحو ذلك العلامة البيري في رسالته ، حيث ادعى أن الانفراد أفضل من الاقتداء به قال : إذ لا ريب أنه يأتي في صلاته بما تجب الإعادة به عندنا أو تستحب ، لكن رد عليه ذلك غيره في رسالة أيضا ، وقد أسمعناك ما يؤيد الرد ، نعم نقل الشيخ خير الدين عن الرملي الشافعي أنه مشى على كراهة الاقتداء بالمخالف حيث أمكنه غيره ، ومع ذلك هي أفضل من الانفراد ، ويحصل له فضل الجماعة ، وبه أفتى الرملي الكبير ، واعتمده السبكي والإسنوي وغيرهما .

قال الشيخ خير الدين : والحاصل أن عندهم في ذلك اختلافا ، وكل ما كان لهم علة في الاقتداء بنا صحة وفسادا وأفضلية كان لنا مثله عليهم ، وقد سمعت ما اعتمده الرملي وأفتى به ، والفقير أقول مثل قوله فيما يتعلق باقتداء الحنفي بالشافعي والفقيه المنصف يسلم ذلك : وأنا رملي فقه الحنفي لا مرا بعد اتفاق العالمين ا هـ ملخصا أي لا جدال بعد اتفاق عالمي المذهبين وهما رملي الحنفية يعني به نفسه ورملي الشافعية رحمهما الله تعالى ، فتحصل أن الاقتداء بالمخالف المراعى في الفرائض أفضل من الانفراد إذ لم يجد غيره ، وإلا فالاقتداء بالموافق أفضل . [ ص: 564 ] مطلب إذا صلى الشافعي قبل الحنفي هل الأفضل الصلاة مع الشافعي أم لا ؟

بقي ما إذا تعددت الجماعات في المسجد وسبقت جماعة الشافعية مع حضور نقل ط عن رسالة لابن نجيم أن الأفضل الاقتداء بالشافعي ، بل يكره التأخير لأن تكرار الجماعة في مسجد واحد مكروه عندنا على المعتمد ، إلا إذا كانت الجماعة الأولى غير أهل ذلك المسجد ، أو أديت الجماعة على وجه مكروه لأنه لا يخلو الحنفي حالة صلاة الشافعي ، إما أن يشتغل بالرواتب لينتظر الحنفي وذلك منهي عنه ، لقوله صلى الله عليه وسلم " { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } ، وإما أن يجلس وهو مكروه أيضا لإعراضه عن الجماعة من غير كراهة في جماعتهم على المختار ا هـ ونحوه في حاشية المدني عن الشيخ والده الشيخ محمد أكرم وخاتمة المحققين السيد محمد أمين ميزباد شاه والشيخ إسماعيل الشرواني ، فإنهم رجحوا أن الصلاة مع أول جماعة أفضل . قال : وقال الشيخ عبد الله العفيف في فتاواه العفيفية عن الشيخ عبد الرحمن المرشدي : وقد كان شيخنا شيخ الإسلام مفتي بلد الله الحرام الشيخ علي بن جار الله ابن ظهيرة الحنفي لا يزال يصلي مع الشافعية عند تقدم جماعتهم وكنت أقتدي به في الاقتداء بهم ا هـ وخالفهم العلامة الشيخ إبراهيم البيري بناء على كراهة الاقتداء بهم لعدم مراعاتهم في الواجبات والسنن ، وأن الانفراد أفضل لو لم يدرك إمام مذهبه ، وخالفهم أيضا العلامة الشيخ السندي تلميذ ابن الهمام فقال : الاحتياط في عدم الاقتداء به ولو مراعيا ، وكذا العلامة المنلا علي القارئ فقال بعد ما قدمناه عنه من عدم كراهة الاقتداء بهم : ولو كان لكل مذهب إمام كما في زماننا فالأفضل الاقتداء بالموافق سواء تقدم أو تأخر ، على ما استحسنه عامة المسلمين وعمل به جمهور المؤمنين من أهل الحرمين والقدس ومصر والشام ، ولا عبرة بمن شذ منهم . ا هـ .

والذي يميل إليه القلب عدم كراهة الاقتداء بالمخالف ما لم يكن غير مراع في الفرائض ، لأن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا أئمة مجتهدين وهم يصلون خلف إمام واحد مع تباين مذاهبهم ، وأنه لو انتظر إمام مذهبه بعيدا عن الصفوف لم يكن إعراضا عن الجماعة للعلم بأنه يريد جماعة أكمل من هذه الجماعة . وأما كراهة تعدد الجماعة في مسجد واحد فقد ذكرنا الكلام عليها أول الباب ، والله أعلم بالصواب




الخدمات العلمية