الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث الثالث : في شرطه .

                                                                                                                وفي الجواهر : شرطه أن لا يجر منفعة للمقرض ، فإن شرط زيادة قدرا أو صفة فسد ، ووجب الرد إن كان قائما ، وإلا ضمن بالقيمة وبالمثل على المنصوص ( وعلى قول ابن سحنون ) ، وعلى قول ابن محرز المتقدم بالمثل فقط .

                                                                                                                قاعدة : القرض خولفت فيه قاعدة الربا إن كان في الربويات كالنقدين [ ص: 290 ] والطعام ، وقاعدة المزابنة ، وهو ( بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات ، وقاعدة ) بيع ما ليس عندك في المثليات لأجل مصلحة المعروف للعباد ، فإذا اشترط منفعة فليس معروفا ، فتكون القواعد خولفت لا لمعارض ، وهو ممنوع ، أو أوقعوا ما لله لغير الله وهو ممنوع ، فلهذه القاعدة يشترط تمحض المنفعة للآخذ .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أقرضته لتنفع نفسك بضمانه في ذمته ، وكراهة بقائه عندك امتنع ، فإن علم ذلك غريمك فلك تعجيل حقك قبل أجله لفساد العقد ، قال اللخمي : وكذلك إذا قصد منفعتها ، بل لا بد من تخصيص المنفعة بالمقترض ، فإن قصد بيع ذلك الثوب بمثله ، منعه مالك وابن القاسم لخروجه على المعروف ، وأجازه مرة ، وعلى الأول تفيته حوالة الأسواق بما فوق ذلك ، ويغرم قيمته إن فات ، وإن قال المقرض : أردت منفعة نفسي ولم يصدقه خصمه ، بيع الثوب عند الأجل ; لأنه مقر أنه لا يستحق المثل بالقيمة ، فإن بيع بدون القيمة لم يكن له إلا ذلك ، أو بأكثر وقف الزائد ، فإن أقر بالفساد أخذه ، وإلا تصدق به ، وإن أقر المستقرض بالفساد دون المقرض ، والثوب قائم ، جبر على رده ، وتفيته حوالة الأسواق على قول المقر دون الآخذ ، فإن رجع عن إقراره : خير المقرض على قبوله ; لأنه مقر بصحة القرض ، فإن استهلكه غرم المثل إلا أن يصدقه على الفساد فالقيمة ، فإن عينه ، وقد كرهه غرم [ ص: 291 ] القيمة معجلة لفساد الأجل بالقصد الفاسد ، واشترى بها مثل الأول ، فإن لم يوف كان عليه تمام الثمن ; لأنه لم يوافقه ، فإن زادت دفع الزائد إن اعترف بالفساد كان له .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إن كانت المنفعة للجهتين منع إلا أن تكون ضرورة كالسفاتج ، فروايتان ، المشهور : المنع .

                                                                                                                سؤال : قال سند : العارية معروف كالقرض ، وإذا ، وقعت إلى أجل بعوض جاز ، وإن خرجت بذلك عن المعروف : فلم لا يكون القرض كذلك ؟ جوابه : إذا وقعت بعوض كانت إجارة ، والإجارة لا يتصور فيها الربا ، والقرض بالعوض بيع ، والبيع يتصور فيه الربا ، والعرض بالعرض لمنفعة ربا لقوله - تعالى - : ( وحرم الربا ) . فإنه عام إلا ما خصه الدليل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال سند : منع ابن القاسم : أقرضك هذه الحنطة على أن تعطيني مثلها ، وإن كان القرض يقتضي إعطاء المثل لإظهار صورة المكايسة : قال أشهب : يفسخ ، قال : فإن قصد بالمثل عدم الزيادة فغير مكروه ، وكذلك إذا لم يقصد شيئا ، فإن قصد المكايسة فهذا مكروه لا يفسد العقد لعدم النفع للمقرض ، [ ص: 292 ] ومن سلف طعاما قديما ليأخذ جديدا امتنع ، إلا أن تكون المنفعة للأخذ فقط .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إن سألك التأخير ويرهنك رهنا : أجازه ابن القاسم عند الأجل لا قبله ; لأنه ملك الحق الآن ، وكان يقول : إن كان عديما امتنع ; لأن عدمه يمنع قضاء الحق ، قال محمد : يجوز إن كان الرهن ليس له لأنه سلف مبتدأ ، وقيل : يمتنع إلا أن يكون الرهن له حتى يكون بالحق نفسه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : كره مالك تأخير الغريم بشرط أن يسلفك أجنبي ، قال : وفيه تفصيل : فإن كنت طلبته لحاجتك للدين : فهو خفيف ; لأن المنفعة للغريم ، وإن أسلفك أكثر من الذي لك امتنع ، وإذا أردت الخلف مع شاهدك ، فقال الغريم : أحمل اليمين بشرط التأخير سنة . فذلك ممنوع ، والإقرار باطل ، والخصومة باقية ، ومنع سلف شاة مسلوخة ليأخذ كل يوم رطلين ، ومن سألك حمل بضاعة فقلت : حلفت لا أحمل إلا ما لي ، فإن شئت أسلفتها أو أودعك وديعة فامتنع حتى يسلفها ، منع ذلك مالك لما فيه من منفعة السلف ، وأباح : أعني بغلامك يوما وأعينك بغلامي يوما ; لأنه رفق .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يمنع اشتراط القضاء ببلد آخر ، وإن شرط أجلا بخلاف [ ص: 293 ] البيع ; لأن البيع مكايسة يقبل شرط التنمية ، ولك ذلك في العين إن قصدت به نفعه دون نفع نفسك بذهاب غرر الطريق كالسفاتج ، ويضرب أجلا يصل في مثله ، وإن لم يخرج فلك أخذه بعد الأجل إن وجدته .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب التنبيهات : السفاتج ، واحدها سفتجة ، بفتح السين وسكون الفاء وفتح التاء بعدها جيم ، وهي البطاقة تكتب فيها آجال الديون ، كالرجل تجتمع له أموال ببلد فيسلفها لك وتكتب له إلى وكيلك - ببلد آخر لك فيه مال - أن يعطيه هناك ، خوف غرر الطريق ، قال : وقد أجازه ابن عبد الحكم للضرورة ، قال سند : ومعنى قول محمد : إن للحمال مؤنة الحمل والضمان في مدة الحمل إلى ذلك البلد على صورة الإنكار ، ولا يلزم الدفع إلا حيث وقع القرض إلا أن يتراضيا فيما له مؤنة لضرورة مؤنة الحمل ، كما أنه لا يلزم المتعدي إلا ببلد الغصب ، وإن اتفقا على غير البلد قبل الأجل فقولان ، نظرا لإسقاط الحق بالرضا ، أو يكون : ضع وتعجل . ومنع في الكتاب : قرض الحاج العك على التوفية ببلد آخر ، وجوزه سحنون ; لأن الحاج لا يوفي القرض في لجة البحر ، بل في بلد آخر ، فإن قصد بذلك اشتراط الحمولة فسد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية