الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 167 ] المسألة الرابعة

          القرآن لا يتصور اشتماله على ما لا معنى له في نفسه لكونه هذيانا ونقصا يتعالى كلام الرب عنه خلافا لمن لا يؤبه له في قوله : كيف يقال ذلك وكلام الرب تعالى مشتمل على ما لا معنى له ؟ كحروف المعجم التي في أوائل السور ، إذ هي غير موضوعة في اللغة لمعنى ، وعلى التناقض الذي لا يفهم كقوله تعالى : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، وقوله : ( فوربك لنسألنهم أجمعين ) ، وعلى الزيادة التي لا فائدة فيها كقوله تعالى : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) ، وقوله : ( كاملة ) غير مفيد لمعنى .

          وكذلك قوله تعالى : ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ) ، وقوله تعالى : ( لا تتخذوا إلهين اثنين ) إلى غير ذلك .

          قلنا : أما حروف المعجم ، فلا نسلم أنه لا معنى لها ، بل هي أسامي السور ومعرفة لها .

          وأما التناقض فغير صحيح ، إذ التناقض لا بد فيه من اتحاد جهة السلب والإيجاب والزمان ، وزمان إيجابه وسلبه غير متحد بل مختلف .

          وأما الزيادات المذكورة فهي للتأكيد لا أنها غير معقولة المعنى .

          فإن قيل : وإن كان ليس في القرآن ما لا معنى له إلا أن فيه ما لا يفهم معناه ، وهو في معنى ما لا معنى له .

          وذلك كقوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) ، والواو في قوله : ( والراسخون في العلم ) ، ليست للعطف وإلا كان الضمير في قوله : ( يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) عائدا إلى جملة المذكور السابق من الله تعالى والراسخين في العلم ، وهو محال في حق الله تعالى .

          فلم يبق إلا أن يكون للابتداء .

          ويلزم من ذلك أن لا يكون ما علمه الرب تعالى معلوما لهم .

          وأيضا فإن الآيات الدالة على اليد واليمين والوجه والروح ومكر الله والاستواء على العرش ، وغير ذلك غير محمول على ما هو مفهوم منه في اللغة ، وما هو المراد منه غير معلوم .

          [ ص: 168 ] وأيضا فإن الخطاب بالقرآن كما هو مع العرب فهو مع العجم مفهوم لهم [1] .

          قلنا : من قال بجواز التكليف بما لا يطاق [2] . ، جوز أن يكون في القرآن ما له معنى وإن لم يكن معلوما للمخاطب ولا بيان له [3] . ، ولا كذلك فيما لا معنى له أصلا لكونه هذيانا .

          ومن لم يجوز التكليف بما لا يطاق منع من ذلك ، لكونه تكليفا بما لا يطاق ، ولما فيه من إخراج القرآن عن كونه بيانا للناس ضرورة كونه غير مفهوم .

          وهو خلاف قوله تعالى : ( هذا بيان للناس ) ولأن ذلك مما يجر إلى عدم الوثوق بشيء من أخبار الله تعالى ورسوله ، ضرورة أنه ما من خبر إلا ويجوز أن يكون المراد به ما لم يظهر منه .

          وذلك مبطل للشريعة مطلقا .

          وأجاب عن الآية الأولى بأن الواو فيها للعطف [4] . ، وأن الضمير في قوله : ( يقولون آمنا به ) وإن كان ظاهرا [5] . في العود إلى جملة المذكور ، غير أنه لا بعد في تخصيصه بإخراج الرب تعالى عنه ، بدليل العقل ، المحيل لعود الضمير إليه .

          وأما باقي الآيات المذكورة ، فكلها كنايات وتجوزات مفهومة للعرب بأدلة صارفة إليها ، على ما بيناه في الكلاميات [6]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية