الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
81 - ( 12 ) - قوله : روي { أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ، ووضوء خليلي إبراهيم } ابن ماجه من حديث معاوية بن قرة ، عن ابن عمر أتم منه ، وقال فيه : { ثم قال عند فراغه أشهد أن لا إله إلا الله } - الحديث ، ورواه الطبراني في الأوسط من طريق معاوية بن قرة ، عن أبيه ، عن جده كذا قال ومداره على عبد الرحيم بن زيد العمي ، عن أبيه . وقد اختلف عليه فيه وهو متروك ، وأبوه ضعيف ، وقال الدارقطني في العلل رواه أبو إسرائيل الملائي ، عن زيد العمي ، عن نافع ، عن ابن عمر فوهم ، والصواب قول من قال : عن معاوية بن قرة ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي بن كعب ، وهذه [ ص: 141 ] رواية عبد الله بن عرادة الشيباني ، وهي عند ابن ماجه أيضا ، ومعاوية بن قرة لم يدرك ابن عمر ، وعبد الله بن عرادة وإن كانت روايته متصلة ، فهو متروك ، وقال أبو حاتم : لا يصح هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن أبي حاتم : قلت لأبي زرعة : حدثنا الربيع بن سليمان ، ثنا أسد بن موسى ، عن سلام بن سليم ، عن زيد بن أسلم ، عن معاوية بن قرة ، عن ابن عمر ، فقال : هو سلام الطويل ، وهو متروك ، وزيد هو العمي ، وهو متروك أيضا ، ولحديث ابن عمر طريق أخرى ، رواها الدارقطني من طريق المسيب بن واضح ، عن حفص بن ميسرة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر بنحوه ، وليس في آخره : { وضوء خليل الله إبراهيم }وقال : تفرد به المسيب ، وهو ضعيف .

وقال عبد الحق : هذا أحسن طرق الحديث . قلت : هو كما قال لو كان المسيب حفظه ، ولكن انقلب عليه إسناده ، وقال ابن أبي حاتم : المسيب صدوق إلا أنه يخطئ كثيرا . وقال البيهقي . غير محتج به ، والمحفوظ رواية معاوية بن قرة . عن ابن عمر ، وهي منقطعة قال وتفرد بها عنه زيد العمي ، وله طريق أخرى ذكرها ابن أبي حاتم في العلل ، قال : سألت أبا زرعة عن حديث يحيى بن ميمون ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عائشة نحوه ، ولفظه في صفة الوضوء مرة مرة ، فقال : { هذا الذي افترض الله عليكم ثم توضأ مرتين مرتين ، فقال : من ضعف ضعف الله له ثم أعادها الثالثة ، فقال : هذا وضوءنا معاشر الأنبياء } ، فقال : هذا ضعيف واه منكر . وقال مرة : لا أصل له ، وامتنع من قراءته .

ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق علي بن الحسن الشامي ، عن مالك ، عن ربيعة ، عن ابن المسيب ، عن زيد بن ثابت ، عن أبي هريرة ، وهو مقلوب ولم يروه مالك قط . ورواه أبو علي بن السكن في صحيحه من حديث أنس ، ولفظه : { دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء ، فغسل وجهه ، ويديه مرة ، ورجليه مرة ، وقال : هذا وضوء من لا يقبل الله منه غيره ثم مكث ساعة ، ودعا بوضوء ، فغسل وجهه ويديه ، مرتين مرتين ، ثم قال : هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر ثم مكث ساعة ثم دعا بوضوء فغسل وجهه ثلاثا [ ص: 142 ] ويديه ثلاثا ، ثم قال : هذا وضوء نبيكم ، ووضوء النبيين قبله أو قال قبلي }وفي رواية الدارقطني نحو هذا السياق ، وهو يدل على أن ذلك كان في مجلس واحد ، وقد حكى فيه القاضي حسين خلافا عن الأصحاب ، ورجح الروياني أنه كان في مجلس ، قال النووي : الظاهر أن الخلاف لم ينشأ عن رواية ، بل قالوه بالاجتهاد ، وظاهر رواية ابن ماجه وغيره أنه كان في مجلس ، قال : وهذا كالمتعين ، لأن التعليم لا يكاد يحصل إلا في مجلس .

82 - ( 13 ) - حديث : { أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ، فقال : من زاد على هذا ، فقد أساء وظلم } أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن ماجه من طرق صحيحة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، مطولا ومختصرا ، ولفظ أبي داود : { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف الطهور ؟ . فدعا بماء في إناء ، فغسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ، ثم مسح برأسه ثم أدخل إصبعيه من أذنيه ، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه ، وبالسبابتين باطن أذنيه ، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : هكذا الوضوء ، من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم }وفي رواية النسائي : { فقد أساء وتعدى وظلم }.

( تنبيه ) يجوز أن يكون الإساءة والظلم وغيرهما مما ذكر ، مجموعا لمن نقص ، ولمن زاد ، ويجوز أن يكون على التوزيع ، فالإساءة في النقص والظلم في الزيادة ، وهذا أشبه بالقواعد ، والأول أشبه بظاهر السياق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية