الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              وبدءوا من مقدمات الطهارة بالماء ؛ لأنه الأصل في آلتها وافتتح هذا الكتاب بآية لتعود بركتها على جميع الكتاب لا لكونها دليله ؛ لأن من شأنه التأخر عن المدلول على أنه إذا كان قاعدة كلية ينطبق عليها أكثر المسائل كما هنا قدم ولم يراع ذلك في غيره وإن راعاه أصله كالشافعي رضي الله عنه اختصارا ( قال الله تعالى { وأنزلنا } ) أي إنزالا مستمرا باهرا للعقول ناشئا عن عظمتنا ( { من السماء } ) أي الجرم المعهود إن أريد الابتداء أو السحاب إن أريد الانتهاء ( { ماء } ) فيه عموم من حيث إنه للامتنان وبهذا استفيد منه أنه طاهر إذ لا امتنان بالنجس فمن ثم كان ( طهورا ) معناه مطهرا لغيره وإلا لزم التأكيد والتأسيس خير منه [ ص: 65 ] ويدل لذلك أيضا ليطهركم به ، وأنه الأصل في فعول وإن جاء مصدرا وللمبالغة بأن يدل على زيادة في معنى فاعل مع مساواته له تعديا كضروب أو لزوما كصبور وللآلة كسحور لما يتسحر به ، وبهذا الاشتراك مع كون الأصل ما ذكر اندفع الاستدلال لطهورية المستعمل نظرا إلى إفادة المبالغة على أن فيما قلناه تكرارا أيضا لرفعه أحداث أجزاء العضو الواحد بجريه عليه أما المضموم فيختص بالمصدر ، وقيل يأتي بمعنى المطهر لغيره أيضا واختصاص الطهارة بالماء الذي أشارت إليه الآية ولا يرد شرابا طهورا ؛ لأنه قد وصف بأعلى صفات الدنيا تعبدي أو لما فيه من الرقة واللطافة التي لا توجد في غيره ومن ثم قيل لا لون له وبهذا الاختصاص يتضح منعهم القياس عليه لا لمفهومه ؛ لأنه لقب .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لا لكونها دليله إلخ ) على أن المدلول مذكور إجمالا في الترجمة فالمدلول الإجمالي متقدم على الدليل ( قوله مستمرا ) أي لا منقطعا كما يتوهم من الماضي ( قوله عن عظمتنا ) أي كما يشعر به ضمير العظمة ( قوله المعهود ) هو الأقرب كنز ( قوله الانتهاء ) قد يتبادر انتهاء الإنزال ، وفيه أن الإنزال لم ينته بالسحاب بل جاوزه إلى الأرض إلا أن يراد انتهاء محله واستقراره العلوي ( قوله فيه عموم إلخ ) قد يشكل العموم بأن المعنى حينئذ أنزلنا من السماء كل ماء طهور مع أن بعض الماء الطهور نبع من الأرض إلا أن يثبت أن أصل كل ما نبع من الأرض من السماء فليتأمل . ( قوله للامتنان ) ضبب بينه وبين قوله وبهذا إلخ ( قوله إذ لا امتنان بالنجس إلخ ) فيه نظر إذ على تقدير أن الطهورية لم تستفد إلا من قوله طهورا لا يلزم الامتنان بالنجس على أنه قد ينظر في أنه لا امتنان بالنجس على الإطلاق ( قوله وإلا لزم التأكيد ) قد يمنع لزوم [ ص: 65 ] التأكيد إذ لم يستفد معنى الثاني من الأول بوضعه ولو في الجملة ( قوله ويدل لذلك إلخ ) في دلالته نظر ( قوله اندفع الاستدلال ) قد يمنع اندفاعه على قاعدة الشافعي أن المشترك إذا تجرد عن القرائن حمل على جميع معانيه وهي هنا غير متنافية إلا معنى المصدر لكن إذا حمل على المبالغة وافق غيره فليتأمل وأصالة بعضها لا تقتضي التخصيص به عند الإطلاق والتجرد عن القرائن ( قوله واختصاص ) مبتدأ وقوله تعبدي خبر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لأنه الأصل في آلتها ) أي وغيره كالتراب وأحجار الاستنجاء بدل منه مغني ( قوله هذا الكتاب ) أي كتاب الطهارة ( قوله على جميع الكتاب ) أي المنهاج ( قوله بالآية ) وقوله دليله إلخ أي الكتاب ، ويحتمل الماء ( قوله إذا كان إلخ ) أي الدليل على أن المدلول مذكور إجمالا في الترجمة فالمدلول الإجمالي متقدم على الدليل سم ( قوله ينطبق عليها أكثر إلخ ) فيه قلب ، والأصل كما في المغني تنطبق على أكثر مسائل الباب ( قوله أكثر المسائل ) ينافي قوله قاعدة كلية ( قوله ولم يراع ذلك ) أي افتتاح الباب بدليله ( قوله اختصارا ) علة لعدم مراعاة المصنف لمسلك المحرر تبعا لإمام المذهب ( قوله مستمرا ) أي لا منقطعا كما يتوهم من الماضي ( قوله عن عظمتنا ) أي كما يشعر به ضمير العظمة سم ( قوله أي الجرم المعهود ) هو الأقرب كنز ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قوله أو السحاب ) عبارة المغني وهل المراد بالسماء في الآية الجرم المعهود أو السحاب قولان حكاهما المصنف في دقائق الروضة ولا مانع أن ينزل من كل منهما انتهت ، والظاهر أن محصل كلام الشارح جمع بين القولين بحسب الظاهر وإبطال للثاني ورده إلى الأول بحسب الحقيقة نعم لو عبر بالإنزال الأولى والثانوي بدل الابتداء الانتهاء لكان أولى بصري ( قوله فيه عموم ) قد يشكل العموم بنبع بعض الماء الطهور من الأرض إلا أن يثبت أن أصل كل ماء ينبع من الأرض من السماء سم ( قوله من حيث إلخ ) للتعليل ( قوله أنه ) أي نزول هذه الآية ( قوله وبهذا ) إلى قوله وأنه الأصل في النهاية والمغني ( قوله وبهذا ) ضبب بينه وبين قوله للامتنان سم ( قوله منه ) أي من قوله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء } نهاية ويصح إرجاع الضمير إلى لفظ الماء في الآية قوله : ( إذ لا امتنان بالنجس ) يتأمل فما المانع من صحة الامتنان بشيء ، وإن قام غيره مقامه سم على حج ا هـ .

                                                                                                                              ع ش وقد يقال لا كبير موقع له ومن ثم قال بعضهم المراد نفي كمال الامتنان بجيرمي ( قوله ومن ثم ) أي من أجل إفادته الظاهرية ( قوله وإلا لزم التأكيد إلخ ) أي ولو جعل الطهور بمعنى الطاهر لزم التأكيد ؛ لأن الطهارة مستفادة من لفظ [ ص: 65 ] الماء على ما مر بخلاف ما لو أريد به المطهر فلا يكون تأكيدا بل تأسيسا أي مفيدا لمعنى ما قبله ع ش ( قوله ويدل إلخ ) في دلالته نظر سم ( قوله لذلك ) أي لكون الماء مطهرا لغيره كما هو صريح غيره وإن أوهم صنيعه رجوع الإشارة لكون طهورا في الآية بمعنى مطهر لغيره وبه يندفع ما مر عن سم آنفا على أن الآيات يفسر بعضها بعضا ( قوله أيضا ) أي كقوله تعالى { طهورا } ( قوله وإنه إلخ ) عطف على { ليطهركم به } ، والضمير لكون { طهورا } في الآية بمعنى مطهرا لغيره ( قوله وللآلة إلخ ) قضيته أن هذا غير المعنى المراد مما في الآية الذي قال فيه إنه الأصل في فعول ، وليس كذلك عبارة عميرة نقل النووي عن ابن مالك أن فعولا قد يكون للمبالغة ، وهي أن يدل على زيادة إلخ ، وقد يكون اسما لما يفعل به الشيء البرود لما يتبرد به ، فيجوز أن يكون الطهور من الأول ، وأن يكون من الثاني انتهى .

                                                                                                                              واعلم أنه قد أنكر جماعة من الحنفية دلالته على التطهير ، وقالوا لا يزيد على معنى المبالغة في وصف فاعله أقول كفاك حجة قاطعة على فساد قولهم قوله صلى الله عليه وسلم { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } فإن الطهور هنا لو لم يكن بمعنى المطهر لم يستقم لفوات ما اختصت به الأمة بجيرمي ( قوله الاستدلال به ) أي بقوله طهورا ( قوله فيما قلناه ) أي في كون طهورا بمعنى المطهر لغيره تكررا أي مبالغة ( قوله أيضا ) أي كمعنى المبالغة ( قوله أما المضموم ) أي لفظ طهور بضم الفاء ( قوله واختصاص ) مبتدأ وقوله تعبدي خبر سم ( قوله ولا يرد ) أي على ذلك الاختصاص ( قوله : لأنه ) أي الشراب قد وصف أي في الآخرة بأعلى صفات الدنيا أي وهي كونه مطهرا لغيره ( قوله أو لما فيه من الرقة إلخ ) ونقل عن الإيعاب ما نصه والذي يتجه ترجيحه أنه معقول ؛ لأن التعبد لا يصار إليه إلا عند العجز عن إبداء معنى مناسب ، وهذا ليس كذلك ( قوله وبهذا الاختصاص ) أي الذي أشارت إليه الآية ( قوله لا لمفهومه ) .

                                                                                                                              قال الكردي إنه معطوف على قوله لما فيه إلخ وفيه ما لا يخفى ، وقيل إنه معطوف على بهذا أي يتضح منعهم القياس عليه بهذا الاختصاص لا لكون مفهوم الماء يدل على المنع المذكور ا هـ وهو الظاهر المتعين لكن فيه ركة ، ولو قال واتضح بذلك أن منعهم القياس عليه لهذا الاختصاص لا لمفهومه إلخ كان ظاهرا ( قوله القياس ) أي قياس غير الماء كالنبيذ عليه أي الماء ( قوله : لأنه لقب ) أي ومفهومه ليس بحجة لقول جمع الجوامع المفاهيم أي المخالفة إلا اللقب حجة ا هـ .

                                                                                                                              قال البناني المراد باللقب هنا الاسم الجامد الشامل للعلم الشخصي واسم الجنس فهو مغاير للقب النحوي مغايرة العام للخاص لشموله للعلم عند النحاة الشامل لأنواعه الثلاثة الاسم والكنية واللقب ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية