الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  (قال أبو عبد الله: حصورا لا يأتي النساء).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وكان دأبه أنه إذا ذكر لفظا جاء في القرآن من مادة ذكر ما هو بصدده، وكان المذكور هو لفظ المحصر في الترجمة، وفي الآية لفظ "أحصرتم"، وذكر "حصورا" الذي جاء في القرآن أيضا، وهو في قوله عز وجل: أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ثم إنه فسر الحصور بقوله: (لا يأتي النساء)، وروى هذا التفسير ابن مسعود، وعن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد، وأبي الشعثاء، وعطية العوفي، وعن أبي العالية، والربيع بن أنس: هو الذي لا يولد له، وقال الضحاك: هو الذي لا يولد له، ولا مال له.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أخبرنا جرير عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس في الحصور الذي لا ينزل الماء، وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبا فقال: حدثنا أبو جعفر بن غالب البغدادي، حدثني سعيد بن سليمان، حدثنا عباد، يعني ابن العوام، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن ابن العاص، لا يدري عبد الله أو عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وسيدا وحصورا قال: ثم تناول شيئا من الأرض فقال: كان ذكره مثل هذا.

                                                                                                                                                                                  ورواه ابن المنذر في تفسيره، حدثنا أحمد بن داود السجستاني، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، قال: " سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا، فإن الله يقول: وسيدا وحصورا قال: وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب، وأشار بأنمله وذبح ذبحا".

                                                                                                                                                                                  وروى ابن أبي حاتم أيضا بإسناده إلى أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء، أو يرحمه، إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام، فإنه كان وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة"، وقال القاضي عياض: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصور ليس كما قاله بعضهم: إنه كان هيوبا أو لا ذكر له، بل أنكر حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا: هذا نقيصة وعيب، ولا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب؛ أي: لا يأتيها كأنه حصر عنها، وقيل: مانعا نفسه عن الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء، والمقصود أنه مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء كما قاله بعضهم، بل معناه أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل من دعاء زكريا عليه السلام حيث قال: هب لي من لدنك ذرية طيبة كأنه سأل ولدا له ذرية ونسل وعقب، والله تعالى أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية