الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1712 382 - (حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة قال: إن صددت عن البيت صنعت كما صنعنا مع [ ص: 143 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن ابن عمر صنع في عمرته كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وهي سنة ست حين صده المشركون عن إيصاله إلى البيت، فإنه تحلل ونحر وحلق كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا عن إسماعيل بن عبد الله، وفرقه وأخرجه أيضا في المغازي عن قتيبة، وأخرجه مسلم في الحج عن يحيى بن يحيى. قوله: (عن نافع أن عبد الله بن عمر)، الحديث فيه اختلاف؛ لأن هذا يدل على أن نافعا روى عن عبد الله بغير واسطة، وإسناد الحديثين المذكورين في هذا الباب عقيب هذا الإسناد، أولهما يدل على أن نافعا روى عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما فذكر الحديث، والثاني يدل على أن نافعا روى عن بعض بني عبد الله؛ فلأجل هذا الاختلاف ذكر البخاري الإسنادين المذكورين عقيب الإسناد الأول على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  قوله: (معتمرا)، وذكر في الموطأ من هذا الوجه: " خرج إلى مكة يريد الحج فقال: إن صددت"... فذكره، ولا اختلاف فيه، فإنه خرج أولا يريد الحج، فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال: ما شأنهما إلا واحد، فأضاف إليها الحج فصار قارنا. قوله (في الفتنة)؛ أراد بها فتنة الحجاج حين نزل بابن الزبير لقتاله، وقد مر في باب طواف القارن من طريق الليث عن نافع بلفظ: " حين نزل الحجاج بابن الزبير"، وفي لفظ مسلم: " حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير". قوله: (إن صددت)؛ أي: منعت، وهو على صيغة المجهول، وقال هذا الكلام جوابا لقول من قال له: إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما أوضحته الرواية التي بعد هذه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية موسى بن عقبة فقال: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع"، وزاد في رواية الليث عن نافع في باب طواف القارن: " كما صنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم". قوله: (فأهل)؛ أي: ابن عمر، والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية. قوله: (من أجل أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم...) إلى آخره، ويروى: " من أجل أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"؛ قال النووي: معناه أنه أراد: إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من العمرة، وقال القاضي عياض: يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، ويحتمل أنه أراد الأمرين؛ أي: من الإهلال والإحلال، وهو الأظهر. قوله: (بعمرة) زاد في رواية جويرية: " من ذي الحليفة"، وفي رواية أيوب الماضية: " فأهل بعمرة من الدار"، والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، قيل: يحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة. قلت: فعلى هذا التوفيق بينهما بأن يقال: إنه أهل بالعمرة من داخل بيته ثم أظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية