الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 132 ] قوله عز وجل: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة في الكلمة الطيبة قولان: أحدهما: أنها الإيمان ، قاله مجاهد وابن جريج.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه عنى بها المؤمن نفسه ، قاله عطية العوفي والربيع بن أنس. وفي الشجرة الطيبة قولان: أحدهما: أنها النخلة ، وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها شجرة في الجنة ، قاله ابن عباس . وحكى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة: الإيمان ، والشجرة الطيبة: المؤمن. أصلها ثابت يعني في الأرض. وفرعها في السماء أي نحو السماء. تؤتي أكلها يعني ثمرها. كل حين بإذن ربها والحين عند أهل اللغة: الوقت. قال النابغة :


                                                                                                                                                                                                                                        تناذرها الراقون من سوء سمها تطلقه حينا وحينا تراجع



                                                                                                                                                                                                                                        وفي الحين ها هنا ستة تأويلات: أحدها: يعني كل سنة ، قاله مجاهد ؛ لأنها تحمل كل سنة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: كل ثمانية أشهر ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ لأنها مدة الحمل ظاهرا وباطنا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: كل ستة أشهر ، قاله الحسن وعكرمة ؛ لأنها مدة الحمل ظاهرا.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: كل أربعة أشهر ، قاله سعيد بن المسيب ؛ لأنها مدة يرونها من طلعها إلى جذاذها.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 133 ] الخامس: كل شهرين ؛ لأنها مدة صلاحها إلى جفافها.

                                                                                                                                                                                                                                        السادس: كل غدوة وعشية ؛ لأنه وقت اجتنائها ، قاله ابن عباس . وفي قوله تعالى في الحياة الدنيا وفي الآخرة وجهان: أحدهما: أن المراد بالحياة الدنيا زمان حياته فيها ، وبالآخرة المساءلة في القبر ، قاله طاوس وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر أن يأتيه منكر ونكير فيقولان له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول -إن اهتدى: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. ويضل الله الظالمين فيه وجهان: أحدهما: عن حجتهم في قبورهم ، كما ضلوا في الحياة الدنيا بكفرهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يمهلهم حتى يزدادوا ضلالا في الدنيا. ويفعل الله ما يشاء فيه وجهان: أحدهما: من إمهال وانتقام.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: من ضغطة القبر ومساءلة منكر ونكير. وروى ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منه سعد بن معاذ ، ولقد ضم ضمة) . وقال قتادة: ذكر لنا أن عذاب القبر من ثلاثة: ثلث من البول. وثلث من الغيبة ، وثلث من النميمة.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 134 ] وسبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر: يا رسول الله أيكون معي عقلي؟ قال: (نعم) قال. كفيت إذن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله عز وجل: ومثل كلمة خبيثة فيها قولان: أحدهما: أنها الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها الكافر نفسه. كشجرة خبيثة فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها شجرة الحنظل ، قاله أنس بن مالك.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها شجرة لم تخلف ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنها الكشوت. اجتثت من فوق الأرض أي اقتلعت من أصلها ، ومنه قول لقيط:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 135 ]

                                                                                                                                                                                                                                        هو الجلاء الذي يجتث أصلكم     فمن رأى مثل ذا يوما ومن سمعا



                                                                                                                                                                                                                                        ما لها من قرار فيه وجهان: أحدهما: ما لها من أصل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ما لها من ثبات. وتشبيه الكلمة الخبيثة بهذه الشجرة التي ليس لها أصل يبقى ولا ثمر يجتنى أن الكافر ليس له عمل في الأرض يبقى ولا ذكر في السماء يرقى.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية