الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1715 (وعن عبد الله قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثني سالم عن ابن عمر نحوه).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  عبد الله هو ابن المبارك، وأشار به إلى أن عبد الله بن المبارك حدث به تارة عن يونس عن الزهري، وتارة عن معمر عنه، فإن قلت: قوله: (وعن عبد الله) معطوف على ماذا؟ قلت: قيل: إنه معطوف على الإسناد الأول، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم. قلت: كأنه أراد بالبعض المحب الطبري.

                                                                                                                                                                                  وقد أخرج الترمذي فقال: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرني معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يريد به عدم الاشتراط كما هو مبين عند النسائي من رواية معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، أنه كان ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أما حسبكم سنة نبيكم، أنه لم يشترط؟ وهكذا رواه الدارقطني من هذا الوجه بلفظ: " أما حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه لم يشترط ".

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: روى مسلم من رواية رباح بن أبي معروف عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس " أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لضباعة: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"، ورواه الأربعة أيضا، فرواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام، وأخرجه النسائي من رواية ثبت بن يزيد الأحول عن هلال بن خباب، ورواه الترمذي عن زياد بن أيوب البغدادي: حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس " أن ضباعة بنت الزبير أتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج أفأشترط؟ قال: نعم، قالت: كيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك، محلي من الأرض حيث تحبسني".

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أيضا مسلم، والنسائي، وابن ماجه من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن طاوس وعكرمة، كلاهما عن ابن عباس " أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة، فإني أريد الحج فما تأمرني؟ قال: أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني"، ولما رواه الترمذي قال: وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر وعائشة رضي الله تعالى عنهم. قلت: أما حديث جابر فرواه البيهقي من رواية هشام الدستوائي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني"، وأما [ ص: 147 ] حديث أسماء، فرواه ابن ماجه على الشك من رواية عثمان بن حكيم عن أبي بكر بن عبد الله بن الزبير عن جدته قال: لا أدري أسماء بنت أبي بكر أو سعدى بنت عوف " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت عبد المطلب فقال: ما يمنعك يا عمتاه من الحج؟ فقالت: أنا امرأة سقيمة، وأنا أخاف الحبس، قال: فأحرمي واشترطي أن محلك حيث حبست"، وهكذا أخرجه أحمد في مسنده، والطبراني عن جدته،لم يسمها. وأما حديث عائشة فمتفق عليه على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  وحديث ضباعة له طرق، منها: ما رواه ابن خزيمة من طريق البيهقي من رواية يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ضباعة بنت الزبير قالت: " قلت: يا رسول الله إني أريد الحج فكيف أهل بالحج؟ قال: قولي: اللهم إني أهل بالحج إن أذنت لي به وأعنتني عليه ويسرته لي، وإن حبستني فعمرة، وإن حبستني عنهما فمحلي حيث حبستني"، وضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وهي ابنة عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ووقع عند ابن ماجه: ضباعة بنت عبد المطلب، وذلك نسبة إلى جدها، ووقع في الوسيط للغزالي عند ذكر هذا الحديث أنها ضباعة الأسلمية، وهو غلط، وإنما هي هاشمية.

                                                                                                                                                                                  وقد ضعف بعض المالكية أحاديث الاشتراط في الحج، فحكى القاضي عياض عن الأصيلي قال: لا يثبت عندي في الاشتراط إسناد صحيح قال: قال النسائي : لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: وما قاله الأصيلي غلط فاحش، فقد ثبت وصح من حديث عائشة وابن عباس وغيرهما على ما مر.

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في مشروعية الاشتراط فقيل: واجب لظاهر الأمر، وهو قول الظاهرية، وقيل: مستحب، وهو قول أحمد، وغلط من حكى الإنكار عنه، وقيل: جائز، وهو المشهور عند الشافعية، وقطع به الشيخ أبو حامد. ولما روى الترمذي حديث ضباعة بنت الزبير قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون الاشتراط في الحج، ويقولون: إن اشترط لغرض له كمرض أو عذر فله أن يحل ويخرج من إحرامه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقيل: هو قول جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم، قال به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وعائشة، وأم سلمة، وجماعة من التابعين، وذهب بعض التابعين، ومالك، وأبو حنيفة إلى أنه لا يصح الاشتراط، وحملوا الحديث على أنه قضية عين، وأن ذلك مخصوص بضباعة. وقال الترمذي: ولم ير بعض أهل العلم الاشتراط في الحج. وقالوا: إن اشترط فليس له أن يخرج من إحرامه فيرونه كمن لم يشترط.

                                                                                                                                                                                  قلت: حكى الخطابي ثم الروياني من الشافعية الخصوص بضباعة، وحكى إمام الحرمين أن معناه: محلي حيث حبسني الموت؛ أي: إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي. وقال النووي: إنه ظاهر الفساد، ولم يبين وجهه، والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية