الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1723 394 - (حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كما ولدته أمه).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (فلم يرفث).

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله)، وهم خمسة؛ الأول: سليمان بن حرب، ضد الصلح، أبو أيوب الواشجي - وواشج: حي من الأزد- قاضي مكة. الثاني: شعبة بن الحجاج. الثالث: منصور بن المعتمر أبو غياث. الرابع: أبو حازم، بالحاء المهملة والزاي، الأشجعي، واسمه: سلمان مولى عزة الأشجعية. الخامس: أبو هريرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه أن شيخه بصري، وشعبة واسطي، ومنصور وأبو حازم كوفيان، وعلل بعضهم هذا الإسناد بالاختلاف على منصور؛ لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم، زاد فيه رجلا، وأجيب بأن منصورا صرح بسماعه له من أبي حازم المذكور في رواية صحيحة حيث قال: عن منصور سمعت أبا حازم، ويحتمل أيضا أن يكون منصور قد سمعه أولا من هلال عن أبي حازم ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري، وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى، وزهير بن حرب، وعن سعيد بن منصور، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن ابن المثنى عن غندر، وأخرجه الترمذي فيه عن ابن عمر عن سفيان بن عيينة، وأخرجه النسائي فيه عن أبي عمار المروزي، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: (من حج هذا البيت)، وفي رواية مسلم من رواية جرير عن منصور: " من أتى هذا البيت"، قيل: هو أعم من قوله: (من حج)، قلت: لفظ "حج" معناه: قصد، وهو أيضا أعم من أن يكون للحج أو العمرة. قوله: (هذا البيت) يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما قاله وهو في مكة؛ لأن بهذا يشار إلى الحاضر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلم يرفث) بضم الفاء وكسرها وفتحها، والمشهور في الرواية، وعند أهل اللغة: يرفث: بضم الفاء من باب نصر ينصر، ويرفث بكسر الفاء حكاه صاحب المشارق، فيكون من باب ضرب يضرب، ويرفث، بفتح الفاء، يكون من باب علم يعلم، وفيه لغة أخرى: يرفث، بضم الياء وكسر الفاء، من أرفث، حكاه ابن القوطية وابن طريف في الأفعال على أنه جاء على فعل وأفعل. والرفث بفتح الفاء: الاسم، وأصله ذكر بإسكان الفاء، والرفث يطلق ويراد به الجماع، وهو الذي عليه الجمهور في قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به ذكر الجماع، وقيل: المراد به ذلك مع النساء لا مطلقه، وقد اختلف في المراد بالرفث في الحديث على هذه الأقوال؛ قال الأزهري: هي كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة، والفاء في: (فلم يرفث) عطف على الشرط، أعني قوله: (من حج)، وجوابه قوله: (رجع)؛ أي: رجع إلى بلده.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولم يفسق) من الفسوق، وهو الخروج عن حدود الشريعة، وأصله الخروج، يقال: فسقت الخشبة عن مكانها؛ إذا زالت، فالفاسق خارج عن الطاعة، وقيل: لم يفسق؛ أي: لم يذبح لغير الله تعالى على الخلاف في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق وقيل: الفسق ما أصابه من محارم الله، وقيل: قول الزور، وقيل: السباب. فإن قلت: لم يذكر فيه الجدال مع أنه مذكور في القرآن. قلت: لأن المجادلة ارتفعت بين العرب وقريش في موضع الوقوف [ ص: 159 ] بعرفة والمزدلفة، فأسلمت قريش وارتفعت المجادلة، ووقف الكل بعرفة. قوله: (كما ولدته أمه) الجار والمجرور حال؛ أي: مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم الولادة، أو يكون معنى "رجع" صار، والظرف خبره، وقوله في الحديث الآتي: "كيوم" بالفتح، والكسر جائز، وفي رواية الترمذي: " غفر له ما تقدم من ذنبه"، ومعنى اللفظين قريب، وظاهره الصغائر والكبائر، وقال صاحب المفهم: هذا يتضمن غفران الصغائر والكبائر والتبعات، ويقال: هذا فيما يتعلق بحق الله؛ لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم. فإن قلت: العبد مأمور باجتناب ما ذكر في كل الحالات، فما معنى تخصيص حالة الحج؟ قلت: لأن ذلك مع الحج أسمج وأقبح كلبس الحرير في الصلاة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية