الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1734 406 - (حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق، ولم أسمعه أمر بقتله).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (فويسق)؛ لأن تسميته صلى الله عليه وسلم إياه فويسقا يقتضي أن يكون قتله مباحا، وإسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله أبو عامر الأشجعي المدني ابن أخت مالك بن أنس.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي أيضا في الحج عن وهب بن بيان عن ابن وهب عن مالك به مختصرا: "الوزغ فويسق".

                                                                                                                                                                                  قوله (قال للوزغ) اللام فيه بمعنى "عن" نحو: وقال الذين كفروا للذين آمنوا أي: عن الذين آمنوا، والمعنى هنا قال عن الوزغ: فويسق. قلت: ويجوز أن يكون للتعليل، والمعنى قال: لأجل الوزغ: فويسق، والوزغ بفتح الواو والزاي وفي آخره غين معجمة جمع وزغة، ويجمع أيضا على وزغان وإزغان على البدل، وقال ابن سيده: عندي أن الوزغان إنما هو جمع وزغ الذي هو جمع وزغة كورل وورلان، وفي الصحاح: والجمع أوزاغ، وفي المغيث: والجمع أوزاغ. قوله: (فويسق) تصغير فاسق تصغير تحقير وهوان، ومقتضاه الذم له، وقال الكرماني: الوزغ دابة لها قوائم تعدو في أصول الحشيش، قيل: إنها تأخذ ضرع الناقة وتشرب من لبنها، وقيل: كانت تنفخ في نار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لتلتهب، وقال الجوهري: الوزغة دويبة، وقال ابن الأثير: وهي التي يقال: سام أبرص.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا هو الصحيح، وهي التي تكون في الجدران والسقوف، ولها صوت تصيح به، وقال ابن الأثير: ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " لما أحرق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه". قوله: (ولم أسمعه أمر بقتله) هو كلام عائشة؛ أي: لم أسمع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وإنما ذكرت الضمير في: "بقتله" نظرا إلى ظاهر اللفظ، وإن كان جمعا في المعنى، وقول عائشة هذا لا يدل على منع قتله لأنه قد سمعه غيرها، وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعا: " أمر بقتل الأوزاغ"، وفي حديث عروة: " عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله "، وقال أبو الحسن الباغندي في علله أنه وهم، والصواب أنه مرسل، وروى مالك عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله ، وفيه انقطاع بين الزهري وسعد، وقال ابن المواز عن مالك قال: سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وعن أم شريك أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها على ما سيأتي، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "من قتل وزغا فله صدقة"، وقال ابن عمر: " اقتلوا الوزغ فإنه شيطان"، وعن عائشة أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى، وسأل إبراهيم بن نافع عطاء عن قتله في الحرم قال: لا بأس به، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، لكن نقل ابن عبد الحكم [ ص: 186 ] وغيره عن مالك: لا يقتل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم: وإن قتله يتصدق؛ لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها. وذكر ابن بزيزة في أحكامه، قال الطحاوي: لا يقتل المحرم الحية ولا الوزغ ولا شيئا غير الحدأة والغراب، والكلب العقور، والفأرة، والعقرب. قلت: قد ذكرنا فيما مضى أنه قال: للمحرم قتل الحية، وروى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: " من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية"، وفي لفظ: " من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك"، وفي لفظ: " في أول ضربة سبعين حسنة"، وقال أبو عمر: الوزغ مجمع على تحريم أكله، وقال ابن التين: أباح مالك قتله في الحرم وكره للمحرم، وقال ابن حزم: من طريق سويد بن غفلة قال: أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الزنبور ونحن محرمون، وعن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح قال: " ليس في الزنبور جزاء".

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حزم: وأما النمل فلا يحل قتله، ولا قتل الهدهد، ولا الصرد، ولا النحل، ولا الضفدع؛ لما روينا من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب؛ النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد"؛ وعند أبي داود من حديث سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان، "أن طبيبا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عليه الصلاة والسلام عن قتلها"، وفي التوضيح: اختلف المدنيون في الزنبور فشبهه بعضهم بالحية والعقرب، فإن عرض لإنسان فدفعه عن نفسه لم يكن فيه شيء، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يأمر بقتله، وقال أحمد وعطاء: لا جزاء فيه، وقال بعضهم: يطعم شيئا، قال إسماعيل: وإنما لم يدخل أولاد الكلب العقور في حكمه لأنهن لا يعقرن في صغرهن ولا فعل لهن.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية