الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4579 4860 - حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى. فليقل: لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك. فليتصدق". [ 6107، 6301،6650 - مسلم:1647 - فتح: 8 \ 611]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق فيه حديث أبي الأشهب -واسمه جعفر بن حبان- ثنا أبو الجوزاء -بالجيم واسمه أوس بن عبد الله الربعي الأزدي البصري، قتل عام الجماجم سنة ثلاث وثلاثين- عن ابن عباس رضي الله عنهما اللات والعزى [ النجم: 19] كان اللات رجلا يلت سويق الحاج.

                                                                                                                                                                                                                              هذا على قراءة من قرأ بتشديد التاء، وهو خلاف ما عليه الأكثر، والوقف عليها بالتاء خلافا للكسائي حيث وقف بالهاء. قال ابن الزبير : كان رجلا يلت لهم السويق، قيل: ويبيعه، فإذا شربوه سمنوا، وكان رجلا معظما، كذلك يقال: إنه عمرو بن لحي أو ربيعة بن حارثة، ذكره السهيلي، وهو والد خزاعة، وعمر طويلا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 308 ] قال مجاهد : فلما مات عبدوه، وأحاطوا بقبره، وجعلوا موضع الذي كان يلت فيه منسكا ثم عبد. وقال أبو صالح : كان يقوم على الأصنام ويلت لهم ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة : اللات والعزى ومناة أصنام، اللات لأهل الطائف، والعزى لقريش، ومناة للأنصار. زاد غيره: وكانت في وجوه الكعبة من حجارة. وهذا مخالف لما سيأتي عن عائشة أن مناة صنم بين مكة والمدينة. وقيل: بمكة. وقال قتادة : بنخلة، وعن ابن عباس أن مناة كان على ساحل البحر يعبد، سميت مناة: لأنه يمنى عليها دم الذبائح، أي: يراق. وكانت صنما لخزاعة وهذيل. وقال مقاتل : إنما سميت اللات ; لأنهم أرادوا أن يسموا الله جميعهم فقالوا: اللات.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وقيل: من لوى ; لأنهم كانوا يلوون عليها أي: يطوفون، وأرادوا أن يسموا العزيز جميعهم فسموا العزى، وأرادوا أن يسموا [ ص: 309 ] منانا جميعهم فسموا مناة. قلت: وقيل: العزى شجرة بعث الشارع خالدا إليها فقطعها. وقيل: وضعها لغطفان سعد بن ظالم. وفي "الموعب" لأبي غالب عن أبي عمرو : العزى: النجم التي مع السماك وفي "روض الأنف" كان عمرو بن لحي ربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة، وكسا عشرة آلاف حلة. وقيل: إن اللات من سوق الحجيج كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت، ولكنه دخل في الصخرة، فأمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى اللات، ويقال: دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة. قال في "المحكم": وأرى العزى تأنيث الأعز، كالكبرى من الأكبر، فاللام فيه ليست بزائدة، والوجه زيادتها.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى. فليقل: لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة في النذور والأدب والاستئذان.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 310 ] والحلف بفتح الحاء وكسر اللام وإسكانها أيضا. أما الحلف بكسر الحاء وإسكان اللام فإنه العهد. والحكمة في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به ولا عظيم في الحقيقة سواه. قال ابن عباس : لأن أحلف مائة مرة فآثم خير من أن أحلف مرة واحدة بغير الله. وإنما أمره بكلمة التوحيد بعد ذلك ; لأنه تعاطى تعظيم الأصنام صورة، فإن أراد حقيقة كفر، وممن صرح به ابن العربي، فإذا حلف باللات أو غيرها من الأصنام، أو قال: إن فعلت هذا فأنا بعد يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام، أو من الشارع، أو من القرآن أو نحو ذلك، فيمينه غير منعقدة، وعليه الاستغفار ويقول: لا إله إلا الله، ولا كفارة عليه، وإن فعله -وفاقا للأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد والجمهور- رد لسانه إلى الحق، وقلبه إلى الحق تطهيرا لما وقع منه. وقال أبو حنيفة . تجب الكفارة في كل ذلك، إلا في قوله: أنا مبتدع أو بريء من رسول الله أو اليهودية، وأمره بالصدقة. وفي مسلم : "فليتصدق بشيء" من باب التكفير لهذه المعصية، ولا يتقدر بشيء كما هو صريح ما أوردناه. قال الأوزاعي : ويتصدق بمقدار ما كان يريد أن يقامر به، وعن بعض الحنفية أن المراد بها كفارة اليمين.

                                                                                                                                                                                                                              والقمار: مصدر قامره مقامرة، إذا أراد كل واحد أن يغلب صاحبه في عمل أو قول ليأخذ مال من غلب، ولا شك في حرمته، واستثني منه سباق الخيل بشروطه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 311 ] وفيه دلالة لمذهب الجمهور -كما حكاه القاضي - أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب كان ذنبا يكتب عليه، بخلاف الخاطر الذي لا استقرار له، وظاهر الحديث -كما قال القرطبي - وجوب الصدقة، وقول: لا إله إلا الله في حق الأول.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية