الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين

                                                          قوله تعالى: قل إني على بينة من ربي أي: دلالة ويقين وحجة وبرهان، لا على هوى; ومنه البينة لأنها تبين الحق وتظهره. وكذبتم به أي: بالبينة لأنها في معنى البيان; كما قال: وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقيل: يعود على الرب، أي: كذبتم بربي لأنه جرى ذكره.

                                                          وقيل: بالعذاب. وقيل: بالقرآن. وفي معنى هذه الآية والتي قبلها ما أنشده مصعب بن عبد الله بن الزبير لنفسه، وكان شاعرا محسنا رضي الله عنه: [ ص: 2520 ]

                                                          أأقعد بعد ما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني     أجادل كل معترض خصيم
                                                          وأجعل دينه غرضا لديني     فأترك ما علمت لرأي غيري
                                                          وليس الرأي كالعلم اليقين     وما أنا والخصومة وهي شيء
                                                          يصرف في الشمال وفي اليمين     وقد سنت لنا سنن قوام
                                                          يلحن بكل فج أو وجين     وكان الحق ليس به خفاء
                                                          أغر كغرة القلق المبين     وما عوض لنا منهاج جهم
                                                          بمنهاج ابن آمنة الأمين     فأما ما علمت فقد كفاني
                                                          وأما ما جهلت فجنبوني

                                                          قوله تعالى: ما عندي ما تستعجلون به أي: العذاب; فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء نحو قولهم: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء وقيل: ما عندي من الآيات التي تقترحونها. إن الحكم إلا لله أي: ما الحكم إلا لله في تأخير العذاب وتعجيله.

                                                          وقيل: الحكم الفاصل بين الحق والباطل لله. يقص الحق أي: يقص القصص الحق; وبه استدل من منع المجاز في القرآن، وهي قراءة نافع وابن كثير وعاصم ومجاهد والأعرج وابن عباس; قال ابن عباس: قال الله عز وجل: نحن نقص عليك أحسن القصص والباقون: (يقضي الحق) بالضاد المعجمة، وكذلك قرأ علي -رضي الله عنه- وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء، ولا ينبغي الوقف عليه، وهو من القضاء; ودل على ذلك أن بعده: وهو خير الفاصلين والفصل لا يكون إلا [ ص: 2521 ] قضاء دون قصص، ويقوي ذلك قوله قبله: إن الحكم إلا لله ويقوي ذلك أيضا قراءة ابن مسعود: (إن الحكم إلا لله يقضي الحق) فدخول الباء يؤكد معنى القضاء.

                                                          قال النحاس: هذا لا يلزم؛ لأن معنى "يقضي" يأتي ويصنع فالمعنى: يأتي الحق، ويجوز أن يكون المعنى: يقضي القضاء الحق. قال مكي: وقراءة الصاد أحب إلي; لاتفاق الحرميين وعاصم على ذلك، ولأنه لو كان من القضاء للزمت الباء فيه كما أتت في قراءة ابن مسعود، قال النحاس: وهذا الاحتجاج لا يلزم; لأن مثل هذه الباء تحذف كثيرا.

                                                          قوله تعالى:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية