الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيمن يلي أمر الصبي والمجنون ، وكيف يتصرف

                                                                                                                                                                        أما الذي يلي ، فهو الأب ثم الجد ، ثم وصيهما ، ثم القاضي ، أو من ينصبه القاضي .

                                                                                                                                                                        قلت : وهل يحتاج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد لثبوت ولايتهما ؟ وجهان حكاهما القاضي أبو الطيب ، والشاشي ، وآخرون . وينبغي أن يكون الراجح ، الاكتفاء بالعدالة الظاهرة . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولا ولاية للأم على الأصح . وقال الإصطخري : لها ولاية المال بعد الأب والجد ، وتقدم على وصيهما . وأما كيفية التصرف ، فالقول الجملي فيه : كون التصرف على وجه النظر والمصلحة ، فيجوز للولي أن يشتري له العقار ، بل هو أولى من التجارة . فإن لم يكن فيه مصلحة لثقل الخراج ، أو جور السلطان ، أو إشراف الموضع على الخراب ، لم يجز . ويجوز أن يبني له الدور والمساكن ، ويبني بالآجر والطين دون اللبن والجص . قال الروياني : جوز كثير من الأصحاب البناء على عادة البلد كيف كان . قال : وهو الاختيار . ولا يبيع عقاره إلا لحاجته ، مثل أن لا يكون له ما يصرفه في نفقته وكسوته ، وقصرت غلته عن الوفاء بهما ولم يجد من يقرضه ، أو لم ير المصلحة في الاقتراض ، أو لغبطة مثل أن يكون ثقيل الخراج ، أو رغب فيه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن .

                                                                                                                                                                        [ ص: 188 ] ويجوز أن يبيع ماله نسيئة وبالعرض ، إذا رأى المصلحة فيه . وإذا باع نسيئة ، زاد على ثمنه نقدا ، وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيا . فإن لم يفعل ، ضمن ، كذا قاله الجمهور . وحكى الإمام وجهين في صحة البيع إذا لم يرتهن ، وكان المشتري مليئا ، وقال : الأصح الصحة . ويشبه أن يذهب القائل بالصحة إلى أنه لا يضمن ، ويجوزه اعتمادا على ذمة المليء . وإذا باع الأب مال ولده لنفسه نسيئة ، لا يحتاج إلى رهن من نفسه ؛ لأنه أمين في حق ولده .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا باع الأب أو الجد عقار الطفل ورفع إلى القاضي ، سجل على بيعه ، ولم يكلفه إثبات الحاجة أو الغبطة بالبينة ؛ لأنه غير متهم . وفي بيع الوصي والأمين لا يسجل إلا إذا قامت البينة على الحاجة أو الغبطة .

                                                                                                                                                                        قلت : وفي احتياج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد ليسجل لهما ، وجهان حكاهما في " البيان " - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وإذا بلغ الصبي وادعى على الأب أو الجد بيع ماله بغير مصلحة ، فالقول قولهما مع اليمين . وإن ادعاه على الوصي أو الأمين ، فالقول قول المدعي في العقار ، وعليهما البينة . وفي غير العقار وجهان . أصحهما : كالعقار . والفرق عسر الإشهاد في كل قليل وكثير يبيعه ، ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين ولي وولي ، ولا بين العقار وغيره . ودعواه على المشتري من الولي ، كهي على الولد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ليس للوصي بيع ماله لنفسه ، ولا بيع مال نفسه له ، وللأب والجد ذلك ، ولهما [ ص: 189 ] بيع مال أحد الصغيرين للآخر . وهل يشترط أن يقول : بعت واشتريت ، كما لو باع لغيره . أم يكفي أحدهما ؟ وجهان سبقا في البيع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا اشترى الولي للطفل ، فليشتر من ثقة . وحيث أمر بالارتهان ، لا يقوم الكفيل مقامه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يستوفي القصاص المستحق له ، ولا يعفو ، ولا يعتق عبيده ، ولو كان بعوض ، ولا يكاتبهم ، ولا يهب أمواله ولو بشرط الثواب ، ولا يطلق زوجته ولو بعوض . ولو باع شريكه شقصا مشفوعا ، أخذ أو ترك بحسب المصلحة . فإن ترك بحسب المصلحة ، ثم بلغ الصبي وأراد أخذه ، لم يمكن على الأصح ، كما لو أخذ للمصلحة ، ثم بلغ الصبي وأراد رده . والثاني : يمكن لأنه لو كان بالغا ، كان له الأخذ . وإن خالف المصلحة والأخذ المخالف للمصلحة ، لم يدخل في ولايته ، فلا يفوت بتصرف الولي .

                                                                                                                                                                        قلت : فإذا قلنا بالأصح ، فبلغ وادعى أنه ترك الشفعة من غير غبطة ، قال صاحب " المهذب " وغيره : حكمه حكم بيع العقار . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية