الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويمنع من الاقتداء ) صف من النساء بلا حائل قدر ذراع أو ارتفاعهن قدر قامة الرجل مفتاح السعادة أو ( طريق [ ص: 585 ] تجري فيه عجلة ) آلة يجرها الثور ( أو نهر تجري فيه السفن ) ولو زورقا ولو في المسجد ( أو خلاء ) أي فضاء ( في الصحراء ) أو في مسجد كبير جدا كمسجد القدس ( يسع صفين ) فأكثر إلا إذا اتصلت الصفوف [ ص: 586 ] فيصح مطلقا ، كأن قام في الطريق ثلاثة ، وكذا اثنان عند الثاني لا واحد اتفاقا لأنه لكراهة صلاته صار وجوده . كعدمه في حق من خلفه .

التالي السابق


( قوله صف من النساء ) المراد به ما زاد على ثلاث نسوة فإنه يمنع اقتداء جميع من خلفه وإلا ففيه تفصيل بدليل ما قدمنا حاصله عن البحر ، وهو ما اتفقوا على نقله عن أصحابنا ، من أن المرأة الواحدة تفسد صلاة رجلين من جانبيها ورجل خلفها ، والثنتين صلاة اثنين من جانبيهما واثنين خلفهما ، والثلاث صلاة اثنين من جانبيهن وصلاة ثلاثة ثلاثة من خلفهن إلى آخر الصفوف ، ولو كان صف من النساء بين الرجال والإمام لا يصح اقتداء الرجال بالإمام ويجعل حائلا ( قوله بلا حائل ) قيد للمنع ، وقوله أو ارتفاعهن بالجر عطف على حائل .

وعبارة مفتاح السعادة : وفي الينابيع ولو كان صف الرجال على الحائط وصف النساء أمامهن أو كان صف النساء على الحائط وصف الرجال خلفهن ، إن كان الحائط مقدار قامة الرجل جازت صلاتهم ، وإن كان أقل فلا ، وإن كان صف تام من النساء وليس بين الصفين حائل تفسد صلاة من خلفهن ولو عشرين صفا ، ولو كان بينهن وبين الرجال فاصل لا تفسد صلاتهم وذلك الحائل مقدار مؤخر الرحل أو مقدار خشبة منصوبة أو حائط قدر ذراع ا هـ . وحاصله أنه إذا كان صف النساء أمام صف الرجال يمنع إلا إذا كان أحد الصفين على حائط مرتفع قدر قامة أو كان بينهما حائل مقدار مؤخر رحل البعير أو خشبة منصوبة أو حائط قدر ذراع ، وهذا مخالف لما في الخانية والبحر وغيرهما . وهو قوم صلوا على ظهر ظلة في المسجد وبحذائهم من تحتهم نساء أجزأتهم صلاتهم لعدم اتحاد المكان ، بخلاف ما إذا كان قدامهم نساء فإنها فاسدة لأنه تخلل بينهم وبين الإمام صف من النساء وهو مانع من الاقتداء ا هـ . وفي الولوالجية : قوم صلوا على ظهور ظلة المسجد وتحتهم قدامهم نساء لا تجزيهم صلاتهم لأنه تخلل صف من النساء فمنع اقتداءهم وكذا الطريق ا هـ فهذا بإطلاقه صريح بأن الارتفاع غير معتبر في صف النساء وفي المعراج عن المبسوط : فإن كان صف تام من النساء ووراءهن صفوف الرجال فسدت تلك الصفوف كلها استحسانا .

والقياس أن لا تفسد إلا صلاة صف واحد ، ولكن استحسن لحديث عمر مرفوعا وموقوفا عليه " { من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له } " ا هـ فهذا صريح في أن الحائل غير معتبر في صف النساء وإلا لفسدت صلاة الصف الأول من الرجال فقط لكونه صار حائلا بين من خلفه وبين صف النساء كما هو القياس ; فظهر أن ما ذكره الشارح من اعتبار الحائل أو الارتفاع إنما هو فيما دون الصف التام من النساء كالواحدة والثنتين ، أما الصف فهو خارج عن القياس اتباعا للأثر ، هذا ما ظهر فتدبر ، والله أعلم ( قوله أو طريق ) أي نافذ أبو السعود عن شيخه ط . قلت : ويفهم ذلك من التعبير عنه في عدة كتب بالطريق العام .

وفي التتارخانية : [ ص: 585 ] الطريق في مسجد الرباط والخان لا يمنع لأنه ليس بطريق عام ( قوله تجري فيه عجلة ) أي تمر ، وبه عبر في بعض النسخ . والعجلة بفتحتين . وفي الدرر : هو الذي تجري فيه العجلة والأوقار ا هـ وهو جمع وقر بالقاف . قال في المغرب : وأكثر استعماله في حمل البغل أو الحمار كالوسق في حمل البعير ( قوله أو نهر تجري فيه السفن ) أي يمكن ذلك ، ومثله يقال في قوله تمر فيه عجلة ط . وأما البركة أو الحوض ، فإن كان بحال لو وقعت النجاسة في جانب تنجس الجانب الآخر ، لا يمنع وإلا منع ، كذا ذكره الصفار إسماعيل عن المحيط . وحاصله أن الحوض الكبير المذكور في كتاب الطهارة يمنع أي ما لم تتصل الصفوف حوله كما يأتي ( قوله ولو ( زورقا ) ) بتقديم الزاي : السفينة الصغيرة كما في القاموس . وفي الملتقط : إذا كان كأضيق الطريق يمنع ، وإن بحيث لا يكون طريق مثله لا يمنع سواء كان فيه ماء أو لا .

وقال أبو يوسف : النهر الذي يمشي في بطنه جمل وفيه ماء يمنع ، وإن كان يابسا واتصلت به الصفوف جاز . ا هـ . إسماعيل ( قول ولو في المسجد ) صرح به في الدرر والخانية وغيرهما ( قوله أو خلاء ) بالمد : المكان الذي لا شيء به قاموس ( قوله أو في مسجد كبير جدا إلخ ) قال في الإمداد : والفاصل في مصلى العيد لا يمنع وإن كثر . واختلف في المتخذ لصلاة الجنازة . وفي النوازل : جعله كالمسجد ، والمسجد وإن كبر لا يمنع الفاصل إلا في الجامع القديم بخوارزم ، فإن ربعه كان على أربعة آلاف أسطوانة وجامع القدس الشريف أعني ما يشتمل على المساجد الثلاثة الأقصى والصخرة والبيضاء ، كذا في البزازية ا هـ ومثله في شرح المنية . وأما قوله في الدرر : لا يمنع من الاقتداء الفضاء الواسع في المسجد ، وقيل يمنع ا هـ فإنه وإن أفاد أن المعتمد عدم المنع لكنه محمول على غير المسجد الكبير جدا كجامع خوارزم والقدس بدليل ما ذكرناه ، وكون الراجح عدم المنع مطلقا يتوقف على نقل صريح فافهم . [ تتمة ]

في القهستاني : البيت كالصحراء . والأصح أنه كالمسجد ولهذا يجوز الاقتداء فيه بلا اتصال الصفوف كما في المنية ا هـ ولم يذكر حكم الدار فليراجع ، لكن ظاهر التقييد بالصحراء والمسجد الكبير جدا أن الدار كالبيت تأمل . ثم رأيت في حاشية المدني عن جواهر الفتاوى أن قاضي خان سئل عن ذلك ، فقال : اختلفوا فيه ، فقدره بعضهم بستين ذراعا ، وبعضهم قال : إن كانت أربعين ذراعا فهي كبيرة وإلا فصغيرة ، هذا هو المختار . ا هـ . وحاصله أن الدار الكبيرة كالصحراء والصغيرة كالمسجد ، وأن المختار في تقدير الكبيرة أربعون ذراعا . وذكر في البحر عن المجتبى أن فناء المسجد له حكم المسجد ، ثم قال : وبه علم أن الاقتداء من صحن الخانقاه الشيخونية بالإمام في المحراب صحيح وإن لم تتصل الصفوف لأن الصحن فناء المسجد ، وكذا اقتداء من بالخلاوي السفلية صحيح لأن أبوابها في فناء المسجد إلخ ، ويأتي تمام عبارته . وفي الخزائن : فناء المسجد هو ما اتصل به وليس بينه وبينه طريق . ا هـ . قلت : يظهر من هذا أن مدرسة الكلاسة والكاملية من فناء المسجد الأموي في دمشق لأن بابهما في حائطه وكذا المشاهد الثلاثة التي فيه بالأولى ، وكذا ساحة باب البريد والحوانيت التي فيها ( قوله يسع صفين ) نعت لقوله خلاء ، والتقييد بالصفين صرح به في الخلاصة والفيض والمبتغى . وفي الواقعات الحسامية وخزانة الفتاوى : وبه يفتي إسماعيل ، فما في الدرر من تقييده الخلاء بما يمكن الاصطفاف فيه غير المفتى به تأمل ( قوله إلا إذا اتصلت الصفوف ) الاستثناء عائد إلى الطريق والنهر دون الخلاء لأن الصفوف إذا اتصلت في الصحراء لم يوجد الخلاء [ ص: 586 ] تأمل ، وكذا لو اصطفوا على طول الطريق صح إذا لم يكن بين الإمام والقوم مقدار ما تمر فيه العجلة ، وكذا بين كل صف وصف كما في الخانية وغيرها . [ فرع ]

لو أم في الصحراء وخلفه صفوف فكبر الصف الثالث قبل الأول يجوز قنية من باب مسائل متفرقة ( قوله مطلقا ) أي ولو كان هناك طريق أو نهر ح ( قوله كأن قام في الطريق ثلاثة ) وصورة اتصال الصفوف في النهر أن يقفوا على جسر موضوع فوقه أو على سفن مربوطة فيه ح . أقول : وهذا في حق من لم يكن محاذيا للجسر ; أما لو كان محاذيا له ولم يكن بينه وبين الصف الآخر فضاء كثير يصح الاقتداء . ثم ظاهر إطلاقهم أنه إذا كان على النهر جسر فلا بد من اتصال الصفوف ، ولو كان النهر في المسجد كما في جامع دنقز الذي في دمشق ( قوله وكذا اثنان عند الثاني ) والأصح قولهما كما في السراج ، وكذا الاثنان كالجمع عند الثاني في الجمعة ، وفي المحاذاة حتى لو كن ثنتين تفسدان صلاة اثنين اثنين خلفهما إلى آخر الصفوف . قال في المنظومة النسفية في مقالات أبي يوسف : واثنان في الجمعة جمع وكذا سد الطريق ومحاذاة النسا [ تتمة ]

صلوا في الصحراء وفي وسط الصفوف فرجة لم يقم فيها أحد مقدار حوض كثير عشر في عشر ، إن كانت الصفوف متصلة حوالي الفرجة تجوز صلاة من كان وراءها ، أما لو كانت مقدار حوض صغير لا تمنع صحة الاقتداء كذا في الفيض ، ومثله في التتارخانية




الخدمات العلمية