الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 518 ] التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى : [أي: يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله] و (الزلفى): القربة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الضحاك: المعنى: ليشفعوا لنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل أي: يلقي هذا على هذا، [وهذا على هذا] وأصل (التكوير) في اللغة: اللف والجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم معنى خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج : أخبر عن (الأزواج) بالنزول; لأنها تكونت بالنبات، والنبات بالماء المنزل، وهذا يسمى التدريج، و (الأزواج) هي المذكورة في (الأنعام) [143 - 144].

                                                                                                                                                                                                                                      يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق يعني: النطفة، [والعلقة، والمضغة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: في ظلمات ثلاث يعني: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة [ ص: 519 ] البطن] عن مجاهد وغيره، وقيل: يعني: ظلمة الصلب، ثم الرحم ثم البطن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن تكفروا فإن الله غني عنكم : خصوص للكفار، عن ابن عباس ، وقيل: هو عام، وهو أحسن; لأن الله تعالى لا يرضى الكفر لأحد من خلقه، إلا أن يحمل {يرضى} على معنى: يريد، فالله تعالى يريد الكفر من الكافر، وبإرادته كفر، ولا يرضاه، ولا يحبه، فهو يريد كون ما لا يرضاه، وقد أراد الله -عز وجل- خلق إبليس، وهو لا يرضاه، ولا يحبه، فالإرادة غير الرضا، هذا مذهب أهل السنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه أي: راجعا إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم إذا خوله نعمة منه أي: أعطاه نسي ما كان يدعو إليه من قبل أي: ترك، فالمعنى: ترك كون الدعاء منه إلى الله -عز وجل- وقيل: المعنى: نسي الله الذي كان يدعو إليه من قبل كشف الضر عنه، فـ{ما} على هذا لله -عز وجل- وهي بمعنى: (الذي) وهي والفعل -على القول الأول- مصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل تمتع بكفرك قليلا : تهدد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أمن هو قانت آناء الليل : من خفف {أمن} فالتقدير: أمن [ ص: 520 ] هو قانت كمن هو بخلاف ذلك؟ ومن شدد، فالمعنى: العاصون المتقدم ذكرهم خير أمن هو قانت؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن التخفيف على معنى النداء; كأنه قال: يا من هو قانت، ولا يحسن الوقف على هذا التقدير على رحمة ربه لأن المعنى: يا من هو قانت [ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟] [فهو متصل، إلا أن تقدر حذفا، فيكون التقدير: يا من هو قانت، أبشر].

                                                                                                                                                                                                                                      قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون : يريد: العالم المطيع أنه لا يستوي هو والجاهل العاصي.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين : [في الكلام حذف تدل عليه اللام، والمعنى: أمرت بالعبادة; لأن أكون أول المسلمين].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فاعبدوا ما شئتم من دونه : تهدد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 521 ] وقوله: قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم يعني: بتخليدهم في النار، {وأهليهم} يعني: الذين كانوا يكونون لهم في الجنة لو كانوا من أهلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل : [سمى ما تحتهم ظللا] لأنها تظل من تحتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      روي: أنها نزلت في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد وسعيد، وطلحة، والزبير، حين سألوا أبا بكر الصديق فأخبرهم بإيمانه، فآمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي ذر وغيرهما ممن وحد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه : قيل: المعنى: يستمعون القرآن وغيره، فيتبعون القرآن، وقيل: يستمعون العقوبة الواجبة لهم، والعفو فيأخذون بالعفو.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (أحسن القول) -[على قول من جعل الآية في من وحد الله قبل الإسلام]-: لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 522 ] وقوله: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار : تكرير الاستفهام تأكيد؛ لطول الكلام، والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن في الكلام حذفا، والتقدير: أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه؟ وما بعده مستأنف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فسلكه ينابيع في الأرض : (الينابيع): جمع (ينبوع) وهو (يفعول) من (نبع) وقد تقدم ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه يعني: خضرته، وصفرته، وبياضه، وقيل: المعنى: أنواعا من الزرع: شعير، وبر وسمسم، وغير ذلك، وهذا اختيار الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم يهيج فتراه مصفرا أي: يجف ثم يجعله حطاما أي: متفتتا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام : في الكلام حذف، والمعنى: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن طبع على قلبه؟

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بـ (من شرح الله صدره للإسلام) ههنا -فيما ذكره المفسرون-: علي وحمزة -رضي الله عنهما- والمراد بقوله: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله : أبو لهب وولده.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 523 ] ومعنى من ذكر الله : أن قلوبهم تزداد قسوة من سماع ذكره، وقيل: إن {من} بمعنى: (عن) والمعنى: قست قلوبهم عن قبول ذكر الله، وهو اختيار الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كتابا متشابها أي: يشبه بعضه بعضا في الحكمة.

                                                                                                                                                                                                                                      {مثاني} أي: تثنى فيه القصص، والمواعظ، والأحكام، وذكر الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم : يريد: مما فيه من الوعيد، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله : [أي: إلى ذكر رحمة الله].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة : خص الوجه بالذكر؛ لأنه أعز ما في الإنسان، وروي: أنه يلقى في النار مغلولا، فلا يجد ما يتقي به النار سوى وجهه، وفي الكلام حذف، والمعنى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو في الجنة؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون : [أي: يقال لهم: ذوقوا جزاء ما كنتم تكسبون].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية