الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحرف المسألة أن كلامه مبني على تماثل الجواهر، ومن يقول ذلك لا يقول: إنه جوهر ولا جسم ، فالكلام في هذا الباب فرع [ ص: 171 ] على تلك المسألة ، ولو كان هذا صحيحا لكان العلم بحدوث الأجسام وإمكانها من أسهل الأمور ، فإن بعضها محدث بالمشاهدة ، والمحدث ممكن ، فإذا كانت متماثلة ، جاز على كل واحد منها ما جاز على الآخر، فيلزم إما حدوثها ، وإما إمكان حدوثها، وعلى التقديرين يحصل المقصود .

والنافي لتماثلها لا يقول السؤال الذي أورده: إنها متماثلة في الجوهرية، لكنها متمايزة ومتغايرة بأمور موجبة للتعين -هو الموجب للاختصاص- بل يقول: أنها مختلفة بحقائقها وأنفسها، لكنها تشابهت في كونها قائمة بأنفسها، أو كونها متحيزة قابلة للصفات ، وهذا معنى اتفاقها في الجوهرية ، كما ذكره هو في الاعتراض على دليل القائلين بتماثلها .

ويقول أيضا: إن الأمور المتماثلة من كل وجه لا يجوز تخصيص أحدها بما يتميز به عن الآخر إلا لمخصص ، وإلا لزم ترجيح أحد المثلين على الآخر بلا مرجح ، ومشيئة الله تعالى ترجح أحد الأمرين لحكمة تقتضي ذلك ، وتلك الحكمة مقصودة لنفسها ، وإلا فنسبة الإرادة إلى المتماثلين سواء ، وتلك الحكمة المرادة تنتهي إلى حكمة تراد لنفسها ، كما بسط في موضعه . [ ص: 172 ]

وأيضا فإن قول القائل : إن هذه الجواهر المشهودة متماثلة في الحقيقة ، ولكن الفاعل المختار خص كلا منها بصفات تخالف بها الآخر ، يقتضي أن لها حقيقة مجردة عن جميع الصفات التي اختلفت فيها ، فيكون الماء المشهود له حقيقة غير هذا الماء المشهود ، والنار المشهودة لها حقيقة غير هذه النار المشهودة ، ويكون ما خالف به هذا لهذا في الماء والنار أمرا عارضا لتلك الحقيقة، لا صفة ذاتية لها ولا لازمة .

وهذا مكابرة للحس ، [وأيضا] فعلى هذا القول لا يكن لشيء من الموجودات صفة ذاتية ولا صفة لازمة لذاته أصلا ، بل كل صفة يوصف بها عارضة له يمكن زوالها مع بقاء حقيقته ، لأن كل ما اختلفت به الأعيان أمر عارض، لها ليس بداخل في حقيقتها عند من يقول بتماثل الجواهر والأجسام . وحينئذ فيكون الإنسان -الذي هو حيوان ناطق- يمكن زوال كونه حيوانا وكونه ناطقا ، مع بقاء حقيقته وذاته. وكذلك الفرس: يمكن زوال حيوانيته وصاهليته ، مع بقاء حقيقته وذاته ، وهكذا كل الأعيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية