الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وإذا قامت لمرتد بينة أنه أظهر القول بالإيمان ، ثم قتله رجل يعلم توبته أو لا يعلمها ، فعليه القود " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما المرتد إذا كان غير ممتنع فليس لأحد أن يقتله إلا الإمام : لأن قتله حد فأشبه سائر الحدود التي تختص الأئمة بإقامتها ، وإن كان المرتد محاربا في منعة جاز أن يقتله كل من قدر عليه ، ولم يختص الإمام بقتله كما يجوز قتل أهل الحرب .

                                                                                                                                            فإذا قتل مسلم مرتدا فادعى وليه أنه قد كان أسلم ، وأنكر القاتل إسلامه ، فإن لم يكن لوليه بينة على إسلامه فالقول قول القاتل في بقاء ردته ، ولا ضمان عليه في قتله ، سواء كان في منعة أو غير منعة . فإن أقام وليه البينة على إسلامه ، فإن علم القاتل بإسلامه وجب عليه القود ، وإن لم يعلم بإسلامه ، قال الشافعي هاهنا وفي كتاب " الأم " : أن عليه القود . وقال في بعض كتبه : لا قود عليه . فاختلف أصحابنا في اختلاف ذلك على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن اختلاف نصه موجب لاختلاف قوله ، فيكون وجوب القود على قولين : [ ص: 448 ] أحدهما : لا قود عليه : لأن تقدم الردة شبهة في سقوط القود ، فأشبه الحربي إذا أسلم ، وقتله من لم يعلم بإسلامه سقط عنه القود وضمنه بالدية ، كذلك إسلام المرتد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو أصح : أنه يجب عليه القود : لأن نفسه في الطرفين محظورة وإباحتها مخصوصة ، فاقتضى عموم الحظر وجوب القود ، ولا يسقط بخصوص الإباحة ، وبذلك خالف حكم الحربي الذي هو على عموم الإباحة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن اختلاف نصه محمول على اختلاف حالين ، ومن قال بهذا اختلفوا فيها على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن الموضع الذي أسقط فيه القود : إذا كانت آثار الردة عليه باقية من قيد أو حبس . والموضع الذي أوجب فيه القود : إذا زالت عنه آثار الردة ، فلم يبق فيه قيد ولا حبس ، ولا اعتبار بشاهد حاله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الصحيح عندي : أن الموضع الذي أسقط فيه القود : إذا كان في منعة . والموضع الذي أوجب فيه القود : إذا لم يكن في منعة . لأنه ممنوع من قتل غير الممتنع ، وغير ممنوع من قتل الممتنع ، فأجري على كل واحد منهما حكم ما تقدم من تمكين ومنع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية