الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة الثالثة

[ جلود الميتة ]

اختلفوا في الانتفاع بجلود الميتة ، فذهب قوم إلى الانتفاع بجلودها مطلقا دبغت أو لم تدبغ ، وذهب قوم إلى خلاف هذا ، وهو ألا ينتفع به أصلا وإن دبغت ، وذهب قوم إلى الفرق بين أن تدبغ ، وأن لا تدبغ ، ورأوا أن الدباغ مطهر لها ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ، وعن مالك في ذلك روايتان : إحداهما مثل قول الشافعي ، والثانية أن الدباغ لا يطهرها ، ولكن تستعمل في اليابسات ، والذين ذهبوا إلى أن الدباغ مطهر اتفقوا على أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة من الحيوان ( أعني المباح الأكل ) واختلفوا فيما لا تعمل فيه الذكاة ، فذهب الشافعي إلى أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة فقط ، وأنه بدل منها في إفادة الطهارة . وذهب أبو حنيفة إلى تأثير الدباغ في جميع ميتات الحيوان ما عدا الخنزير .

وقال داود : تطهر حتى جلد الخنزير .

وسبب اختلافهم : تعارض الآثار في ذلك ، وذلك أنه ورد في حديث ميمونة إباحة الانتفاع بها مطلقا ، وذلك أن فيه أنه مر بميتة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " هلا انتفعتم بجلدها ؟ " وفي حديث ابن عكيم منع الانتفاع بها مطلقا ، وذلك أن فيه " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب : ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب " قال : وذلك قبل موته بعام .

وفي بعضها الأمر بالانتفاع بها بعد الدباغ والمنع قبل الدباغ ، والثابت في هذا الباب هو حديث ابن عباس أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " إذا دبغ الإهاب فقد طهر " فلمكان اختلاف هذه الآثار اختلف الناس في تأويلها ، فذهب قوم مذهب الجمع على حديث ابن عباس ( أعني أنهم فرقوا في الانتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ ) وذهب قوم مذهب النسخ فأخذوا بحديث ابن عكيم لقوله فيه : قبل موته بعام .

وذهب قوم مذهب الترجيح لحديث ميمونة ، ورأوا أنه يتضمن زيادة على ما في حديث ابن عباس ، وأن تحريم الانتفاع ليس يخرج من حديث ابن عباس قبل الدباغ ; لأن الانتفاع غير الطهارة ( أعني كل طاهر ينتفع به ) ، وليس يلزم عكس هذا المعنى ( أعني أن كل ما ينتفع به هو طاهر . )

التالي السابق


الخدمات العلمية