الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              وقد حصل في ضمن هذه المسألة الجواب عن مسألة التعليق .

              وأما مسألة النكاح للبر في اليمين ، وما ذكر معها ; فإنه موضع فيه احتمال [ ص: 397 ] للاختلاف ، وإن كان وجه الصحة هو الأقوى ، فمن نظر إلى أنه نكاح صدر من أهله في محله القابل له كما تقدم بسطه لم يمنع ، ومن نظر إلى أنه لما كان له نية ـ المفارقة أو كان مظنة لذلك ـ أشبه النكاح المؤقت ; لم يجز هذا ، وإن كان ابن القاسم لم يحك في مسألة نكاح البر خلافا ، فقد غمزه هو أو غيره بأنه لا يقع به الإحصان ، وهذا كاف فيما فيه من الشبهة ، فالموضع مجال نظر المجتهدين .

              وإذا نظرنا إلى مذهب مالك ، وجدنا نكاح البر نكاحا مقصودا لغرضه المقصود ، لكن على أن يرفع حكم اليمين ، وكونه مقصودا به رفع اليمين يكفي بأنه قصد للنكاح المشروع الذي تحل به المرأة للاستمتاع وغيره من مقاصده ، إلا أنه يتضمن رفع اليمين ، وهذا غير قادح ، وكذلك النكاح لقضاء الوطر مقصود أيضا ; لأن قضاء الوطر من مقاصده على الجملة ، ونية الفراق بعد ذلك أمر خارج إلى ما بيده من الطلاق الذي جعل الشارع له ، وقد يبدو له فلا يفارق ، وهذا هو الفرق بينه وبين نكاح المتعة ; فإنه في نكاح المتعة بان على شرط التوقيت .

              وكذلك نكاح التحليل لم يقصد به ما يقصد بالنكاح ، إنما قصد به تحليلها للمطلق الأول بصورة نكاح زوج غيره ، لا بحقيقته ; فلم يتضمن غرضا [ ص: 398 ] من أغراضه التي شرع لها .

              وأيضا ; فمن حيث كان لأجل الغير لا يمكن فيه البقاء معها عرفا أو شرطا ; فلم يمكن أن يكون نكاحا يمكن استمراره .

              وأيضا ; فالنص بمنعه عتيد ، فيوقف عنده على أنه لو لم يكن في نكاح المحلل تراوض ولا شرط ، وكان الزوج هو القاصد لذلك ; فإن بعض العلماء يصحح هذا النكاح اعتبارا بأنه قاصد الاستمتاع على الجملة ثم الطلاق ، فقد قصد على الجملة ما يقصد بالنكاح من أغراضه المقصودة ، ويتضمن ذلك العود إلى الأول إن اتفق على قول ، ولا يتضمنه على قول ، [ ص: 399 ] وذلك بحكم التبعية ، وإن كان هذا من الأقوال المرجوحة فلا يخلو من وجه من النظر .

              ومما يدل على أن حل اليمين إذا قصد بالنكاح لا يقدح فيه ، أنه لو نذر أو حلف على فعل قربة من صلاة أو حج أو عمرة أو صيام أو ما أشبه ذلك من العبادات أنه يفعله ، ويصح منه قربة ، وهذا مثله ، فلو كان هذا من اليمين وشبهه قادحا في أصل العقد ، لكان قادحا في أصل العبادة ; لأن شرط العبادة التوجه بها إلى المعبود قاصدا بذلك التقرب إليه ، فكما تصح العبادة المنذورة أو المحلوف عليها ، وإن لم يقصد بها إلا حل اليمين ، وإلا لم يبر فيه ، فكذلك هنا بل أولى ، وكذلك من حلف أن يبيع سلعة يملكها فالعقد ببيعها صحيح ، وإن لم يقصد بذلك إلا حل اليمين ، وكذلك إن حلف أن يصيد أو يذبح هذه الشاة أو ما أشبه ذلك .

              وهذا كله راجع إلى أصلين :

              أحدهما : إن الأحكام المشروعة للمصالح لا يشترط وجود المصلحة في كل فرد من أفراد محالها ، وإنما يعتبر أن يكون مظنة لها خاصة .

              والثاني : أن الأمور العادية إنما يعتبر في صحتها أن لا تكون مناقضة لقصد الشارع ، ولا يشترط ظهور الموافقة ، وكلا الأصلين سيأتي إن شاء الله تعالى .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية