الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم

                                                                                                                                                                                                إنما الصدقات للفقراء : قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة وأنها مختصة بها، لا تتجاوزها إلى غيرها، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم; ونحوه [ ص: 60 ] قولك: إنما الخلافة لقريش، تريد: لا تتعداهم ولا تكون لغيرهم فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها، وأن تصرف إلى بعضها، وعليه مذهب أبي حنيفة -رضي الله عنه-، وعن حذيفة ، وابن عباس ، وغيرهما من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: في أي صنف منها وضعتها أجزاك. وعن سعيد بن جبير -رضي الله عنه-: لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فجبرتهم بها كان أحب إلي، وعند الشافعي -رضي الله عنه-: لا بد من صرفها إلى الأصناف الثمانية، وعن عكرمة -رضي الله عنه-: أنها تفرق في الأصناف الثمانية، وعن الزهري أنه كتب لعمر بن عبد العزيز تفريق الصدقات على الأصناف الثمانية، والعاملين عليها : السعاة الذين يقبضونها، والمؤلفة قلوبهم : أشراف من العرب كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستألفهم على أن يسلموا فيرضخ لهم شيئا منها حين كان في المسلمين قلة، و"الرقاب": المكاتبون يعانون منها، وقيل: الأسارى، وقيل: تبتاع الرقاب فتعتق، والغارمين : الذين ركبتهم الديون، ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب، وقيل: الذين تحملوا الحمالات فتداينوا فيها وغرموا، وفي سبيل الله : فقراء الغزاة والحجيج المنقطع بهم، وابن السبيل : المسافر المنقطع عن ماله فهو فقير حيث هو ، غني حيث ماله، فريضة من الله : في معنى المصدر المؤكد، لأن قوله: "إنما الصدقات للفقراء" معناه: فرض الله الصدقات لهم، وقرئ: "فريضة" بالرفع على: تلك فريضة .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: لم عدل عن اللام إلى "في" في الأربعة الأخيرة ؟ [ ص: 61 ] قلت: للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره; لأن "في" للوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات، ويجعلوا مظنة لها ومصبا، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر، وفي فك الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة; وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال، وتكرير "في" في قوله: وفي سبيل الله وابن السبيل : فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: فكيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكايدهم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: دل بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم، حسما لأطماعهم، وإشعارا باستجابتهم لحرمان، وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها، فما لهم وما لها ؟ وما سلطهم على التكلم فيها ولمز قاسمها، صلوات الله عليه وسلامه ؟ .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية