الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1750 422 - حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا همام قال: حدثنا عطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل عليه جبة فيه أثر صفرة، أو نحوه، كان عمر يقول لي: تحب إذا نزل عليه الوحي أن تراه؟ فنزل عليه، ثم سري عنه، فقال: اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك، وعض رجل يد رجل، يعني فانتزع ثنيته، فأبطله النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن الرجل كان قد أحرم بالعمرة وعليه جبة، وكان جاهلا بأمر الإحرام.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): المذكور في الترجمة لفظ القميص، والمذكور في الحديث لفظ الجبة، فمن أين المطابقة؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا شك أن حكمهما واحد في الترك، وكيف لا والجبة قميص مع شيء آخر؛ لأن الجبة ذات طاقين.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة؛ الأول: أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي.

                                                                                                                                                                                  الثاني: همام بن يحيى بن دينار العوذي الأزدي البصري.

                                                                                                                                                                                  الثالث: عطاء بن أبي رباح المكي.

                                                                                                                                                                                  الرابع: صفوان بن يعلى التميمي، أو التيمي المكي.

                                                                                                                                                                                  الخامس: أبوه يعلى بن أمية، ويقال له: ابن منية، وهي أمه أخت عتبة بن غزوان، كان عامل عمر - رضي الله تعالى عنه- على نجران، عداده في أهل مكة، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- عند البخاري ومسلم، وروى عن عمر عند مسلم في الصلاة، روى عنه ابنه صفوان عندهما، وعبد الله بن بابيه عند مسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال الحافظ المزي في الأطراف: يعلى بن أمية، وهو أبو خلف، ويقال: أبو خالد، ويقال: أبو صفوان يعلى بن أمية بن أبي عبيدة، واسمه عبيد، ويقال: زيد بن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ويعرف بابن منية، وهي أمه، ويقال: جدته.

                                                                                                                                                                                  وقال الترمذي: رواه قتادة، والحجاج بن أرطاة، وغير واحد عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): أخرج الطريق الأول الترمذي، عن قتيبة، عن عبد الله بن إدريس، عن عبد الملك بن سليمان، عن عطاء، عن يعلى بن أمية. والنسائي أيضا من رواية هشيم، عن عبد الملك. وأخرجه أيضا من رواية هشيم عن منصور، عن عطاء. وأخرجه أبو داود من رواية أبي عوانة، عن أبي بشر بن عطاء.

                                                                                                                                                                                  وأخرج الطريق الثاني الترمذي أيضا، عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وكذا أخرجه الشيخان، وأبو داود، والنسائي أيضا، فأخرجه مسلم، والنسائي من طريق ابن عيينة، واتفق الشيخان عليه من طريق ابن جريج، وهمام، عن عطاء.

                                                                                                                                                                                  ورواه أبو داود أيضا من رواية همام، والنسائي من رواية ابن جريج، ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي من رواية قيس بن سعد عن عطاء، وانفرد به مسلم من رواية رباح بن أبي معروف عن عطاء.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: في الإسناد صفوان بن يعلى بن أمية قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- هكذا وقع في رواية أبي ذر، وهو تصحيف، والصواب ما ثبت في رواية غيره: صفوان بن يعلى، عن أبيه، فتصحف" عن " فصارت " ابن"، " وأبيه" فصارت " أمية"، وليست لصفوان صحبة ولا رؤية.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لم نجد في النسخ الكثيرة المعتبرة إلا صفوان بن يعلى، عن أبيه، فلا يحتاج أن ينسب هذا التصحيف إلى أبي ذر، ولا إلى غيره.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في الحج، وفي فضائل القرآن عن أبي نعيم، وفي المغازي عن يعقوب بن إبراهيم، وفي فضائل القرآن أيضا عن مسدد، وفي الحج أيضا.

                                                                                                                                                                                  قال أبو عاصم: وأخرجه مسلم في الحج عن شيبان بن فروخ، عن همام به، وعن زهير بن حرب، وعن عبد بن حميد، وعن علي بن خشرم، عن محمد بن يحيى، وعن إسحاق بن منصور، وعن عقبة بن مكرم، ومحمد بن رافع، كلاهما عن وهب.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود - رحمه الله- فيه عن عقبة بن مكرم به، وعن محمد بن كثير، وعن محمد بن عيسى، وعن يزيد بن خالد عن الليث، عن عطاء، عن يعلى ابن منية، عن أبيه، كذا قال. ولم يقل: عن ابن يعلى.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي فيه عن ابن أبي عمر به، وأخرجه النسائي فيه في فضائل القرآن عن نوح بن حبيب، وعن محمد بن منصور، وعبد الجبار بن العلاء، فرقهما، وعن محمد بن إسماعيل، وعن عيسى بن حماد، عن ليث، عن عطاء، عن ابن منية، عن أبيه به، فافهم.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 210 ] (ذكر معناه) قوله: " فأتاه رجل" ، وفي رواية مالك في الموطأ، عن عطاء بن أبي رباح: " أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو بحنين.. " الحديث، وفي رواية للبخاري: " فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه، جاء رجل"، وفي رواية الترمذي، عن يعلى بن أمية قال: " رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة أعرابيا قد أحرم وعليه جبة، فأمره أن ينزعها"، قوله: " عليه جبة" جملة اسمية في محل الرفع على أنها صفة لرجل، قوله: " فيه أثر صفرة" ؛ أي: في الرجل، ويروى: " به"؛ أي: بالرجل، ويروى: " وعليها أثر صفرة"؛ أي: وعلى الجبة، وفي رواية لمسلم: " وعليه جبة بها أثر من خلوق"، وفي رواية له: " كيف ترى في رجل عليه جبة صوف متضمخ بطيب"، وفي رواية: " عليه جبة وعليها خلوق"، وفي رواية: " وهو متضمخ بالخلوق"، وفي رواية لغيره: " وعليه جبة عليها أثر الزعفران"، وفي رواية: " وعليه أثر الخلوق" وهو بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب يجعل فيه الزعفران.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أن تراه" ؛ "أن": كلمة مصدرية، وهو في محل النصب على أنه مفعول لقوله: " تحب"، قوله: " ثم سري عنه" بضم السين؛ أي: كشف، قوله: " اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك" ؛ يعني من الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق، والاحتراز عن محظورات الإحرام في الحج.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وعض رجل يد رجل" ، حديث آخر، ومسألة مستقلة بذاتها، وجه تعلقه بالباب كونه من تتمة الحديث وهو مذكور بالتبعية. قوله: " ثنيته" ؛ قال الجوهري: الثنية واحدة الثنايا من السن، وقال الأصمعي: في الفم الأسنان، الثنايا، والرباعيات، والأنياب، والضواحك، والطواحين، والأرحاء، والنواجذ، وهي ستة وثلاثون من فوق وأسفل، أربع ثنايا؛ ثنيتان من أسفل وثنيتان من فوق، ثم يلي الثنايا أربع رباعيات؛ رباعيتان من فوق، ورباعيتان من أسفل، ثم يلي الرباعيات الأنياب، وهي أربعة؛ نابان من فوق، ونابان من أسفل، ثم يلي الأنياب الضواحك، وهي أربعة أضراس إلى كل ناب من أسفل الفم وأعلاه ضاحك، ثم يلي الضواحك الطواحين والأرحاء، وهي ستة عشر في كل شق ثمانية: أربعة من فوق، وأربعة من أسفل، ثم يلي الأرحاء النواجذ؛ أربعة أضراس، وهي آخر الأضراس نباتا، الواحد ناجذ. قوله: " فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم" ؛ أي: جعله هدرا؛ لأنه نزعها دفعا للصائل.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) أنه احتج به عطاء، والزهري، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، ومالك، ومحمد بن الحسن على كراهة استعمال الطيب عند الإحرام، وذهب محمد بن الحنفية، وعمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، وخارجة بن زيد، والقاسم بن محمد، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، والشافعي، وأحمد، وإسحاق إلى أنه لا بأس بالتطيب عند الإحرام، وهو مذهب الظاهرية أيضا، وأجابوا عن الحديث بأن الطيب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان صفرة وهو خلوق، فذلك مكروه لا للرجل للإحرام، ولكنه لأنه مكروه في نفسه في حال الإحلال، وفي حال الإحرام، وإنما أبيح من الطيب عند الإحرام ما هو حلال في حال الإحلال، والدليل على ذلك أن حديث يعلى الذي روي بطرق مختلفة قد بين ذلك، وأوضح أن ذلك الطيب الذي أمره صلى الله عليه وسلم بغسله كان خلوقا، وهو منهي عنه في كل الأحوال.

                                                                                                                                                                                  ومنه صحة إحرام المتلبس بمحظورات الإحرام من اللباس والطيب، ومنه عدم جواز لبس المخيط كالجبة للمحرم.

                                                                                                                                                                                  ومنه أنه لا يجب قطع الجبة والقميص للمحرم إذا أراد نزعها، بل له أن ينزع ذلك من رأسه، وإن أدى إلى الإحاطة برأسه، خلافا لمن قال: يشقه، وهو قول الشعبي والنخعي، ويروى ذلك أيضا عن الحسن، وسعيد بن جبير، وقال الطحاوي: وليس نزع القميص بمنزلة اللباس؛ لأن المحرم لو حمل على رأسه ثيابا أو غيرها لم يكن بذلك بأس، ولم يدخل ذلك فيما نهي عنه من تغطية الرأس بالقلانس وشبهها؛ لأنه غير لابس، فكان النهي إنما وقع في ذلك على ما يليه الرأس لا على ما يغطى به.

                                                                                                                                                                                  وفيه مسألة العاض، وسيذكر البخاري في كتاب الديات في باب: إذا عض رجلا فوقعت ثناياه، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، وعن زرارة بن أوفى، " عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه- أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم- فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، لا دية لك"، وفي رواية مسلم: " فأبطلها"؛ أي: الدية، وفي رواية له: " فأهدر ثنيته"، وبهذا أخذ أبو حنيفة والشافعي في أن المعضوض إذا نزع يده فسقطت أسنان العاض وفك لحيته، لا ضمان عليه، وهو قول الأكثرين، وقال مالك: يضمن.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية